رسالة سعودية عبر أنبوب عراقي

TT

أمر بطرد نصف مليون عراقي، رجالا ونساء وأطفالا وشيبا، وتشريدهم عبر الحدود مع إيران ومصادرة كل ممتلكاتهم، بحجة أنهم من أصول إيرانية، قبل أن يشن حربه الأولى على إيران عام .1980 أمر بتدمير أكثر من أربعة آلاف قرية كردية في كردستان ونفي أهلها بعد تجريدهم مما يمتلكون في الدنيا إلى الجنوب في «حملة الأنفال» للتطهير العرقي، وذلك بعدما وضعت حربه الضروس مع إيران أوزارها...

أمر بمصادرة ممتلكات الملايين الثلاثة ـ أو يزيدون ـ من العراقيين ممن أجبروا على فراق العراق هربا من جحيم نظامه الحاكم...

نهب الكويت عن بكرة أبيها، ثم أحرق أكثر من سبعمائة من آبارها النفطية قبيل دحره وهزيمته النكراء بتحريرها...

حاول احتلال الخفجي السعودية حين أخفقت صواريخه أن تفت في عضد إرادة التحالف...

أمر بمصادرة كل ممتلكات السعوديين والكويتيين في العراق عام ..1998 «قطع الأعناق، ولا قطع الأرزاق»...

شيدت المملكة العربية السعودية أنبوبا لنقل النفط العراقي عبر أراضيها العام 1989، وكان بمثابة شريان لحياة الاقتصاد العراقي، ورسالة تضامن ومواساة للعراق الذي أنهكته الحرب مع إيران، ودليل قوي وعملي على أن السعودية ودول الخليج كانت تعد مشروع مارشال لإعادة بناء العراق المدمّر، ولم تكن تتآمر لخنقه اقتصاديا، كما كان يدّعي...

ولكن صدام دس السم في الاناء الذي أكل منه، وعض اليد التي أطعمته، وارتكب ما ارتكب من جرائم في حق شعبه وإخوانه وجيرانه وأمته، واستمر يعمه في غيه، ويمارس هذيان الحرب الذي ما انفك عنه منذ تسلطه على العراق وشعبه، ثم جاءت تحرشاته الحدودية الأخيرة ضد المملكة العربية السعودية وكأنها محاولة لتشتيت جهود السعودية وشقيقاتها الخليجية والعربية، وهي الجهود التي تتركز في هذه المرحلة على وقف سفك الدم الفلسطيني ومساندة الانتفاضة، فما كان من السعودية إلا أن صادرت الأنبوب العراقي كجزء من مستحقاتها المقررة بموجب قرارات مجلس الأمن على عراق صدام المعتدي، وكرسالة للشعب العراقي الشقيق بأنه «من أجل عين تكرم مدينة»، وأن السعودية ودول الخليج، كانت ولا تزال تتجاهل تحرشات صدام التي لم تتوقف، رأفة بالشعب العراقي، ومحاولة لتضميد جراحه بدلا من نكئها، وبأن المملكة ودول الخليج سوف تتسامى فوق كثير من جراحاتها، وسوف تغض الطرف عن كثير من الجنون الصدامي، ذلك أنها تنظر للعراق، الذي سيبقى يوم يفنى صدام، وتتوق للشعب الذي سينهض يوم ينقشع الكابوس...

أزبد صدام وأرعد، وهاج وماج، وغاضه أن شرب من الإناء الذي دس السم فيه، فلقد قالت السعودية لصدام: «عسى أن ترتدع» و«تجنب غضب الحليم»... فهل وصلت الرسالة السعودية من خلال الأنبوب العراقي؟ نتمنى ذلك، ولكننا لا نظن انها وصلت فعلا!!