التمييز ينقذ رقبة «أبو كاب».. فمن ينقذ المجتمع؟

TT

لم تتباين الآراء في الساحة السعودية بقدر ما تباينت حول قضية إعدام «أبو كاب». وهذا الشاب لمن لا يعرفه، سائق يقوم بحركات بهلوانية بسيارته تسبب في وفاة ثلاثة شبان وإصابة اثنين أثناء قيامه بتلك الحركات الاستعراضية في مدينة جدة، وقد أصدرت المحكمة العامة في جدة في فبراير (شباط) الماضي حكما قضائيا، هو الأول من نوعه، يقضي بقتل «أبو كاب» تعزيرا، وقد جاء في حيثيات الحكم أن ما أقدم عليه المذكور فعل محرم شرعا، وانتهاك للحرمات، وتخويف للآمنين، وإزهاق للأرواح المعصومة شرعا، وإتلاف للأموال والممتلكات واعتبروا أن ما فعله «أبو كاب» لا يبعد عما يفعله المجرمون المخربون بسائر أنواع الإجرام بل هو أشد، إذ فيه تغرير بالأحداث، وإفساد لسلوكهم وأخلاقهم، الأمر الذي يستوجب تعزيراً صارماً للضرب على أيدي السفهاء لقطع دابرهم وعبرة لغيرهم.. لكن محكمة التمييز نقضت قبل أيام قرار القتل الذي صدر بحق «أبو كاب»، ودعت لفرض أي عقوبة أخرى بحقه غير الحكم بالقتل، وأنقذت رقبة «أبو كاب» من حد السيف.

وبقدر التمايز في النظر إلى المسألة بين المحكمة العامة في جدة وبين محكمة التمييز، فإن ثمة تباينات بين الناس تجاه هذه القضية باعتبارها غدت قضية رأي عام، فهناك من يؤيد حكم القتل الذي أوصت به محكمة جدة باعتبار المتهم صاحب 66 مخالفة مرورية، منها مخالفات «تفحيط»، أي القيام بحركات بهلوانية استعراضية، وأنه أثناء الحادث كان في حالة زحف إلى الخلف بسرعة عالية جدا، وهؤلاء ينطلقون من واقع المآسي المرورية التي تعيشها البلاد، إذ أن ثمة قتيلا كل ساعة، إضافة إلى أعداد كبيرة من الجرحى سنويا، حتى أن ثلث أسرة المستشفيات مشغولة من قبل مصابي الحوادث المرورية، وذلك رغم ما تمتلكه السعودية من شبكة طرق صممت وفق أحدث المواصفات العالمية، ورغم ما تقوم به من أبحاث لدراسة هذه الظاهرة، ومعرفة أسبابها وطرق علاجها.. أما الذين يتفقون في الرأي مع ما أقرته محكمة التمييز، فهم لا يريدون أن يصبح ذلك الحكم ـ الأول من نوعه ـ مدخلا إلى تطبيقه على حالات مرورية أخرى، ولا يرون في مثل تلك الحوادث ما يستوجب القتل.

وبعيدا عن مناقشة الحكم الذي صدر في حق المتهم «أبو كاب»، فذلك أمر من اختصاص القضاء، ويستوجب الاحترام، إلا أنني على المستوى الشخصي كنت أتمنى معرفة توجهات المجتمع بشكل أكثر دقة تجاه فرض عقوبات حاسمة وحازمة تجاه المستهترين الذين حولوا المركبات من وسائل مواصلات إلى أدوات قتل، فذلك أوجب لتحديد حجم المعاناة.

فإذا كانت محكمة التمييز قد أنقذت رقبة «أبو كاب»، فإن سلامة المجتمع في حاجة ملحة إلى من ينقذها من عبث الطرقات وبهلوانية المستهترين، وليس بالضرورة الوصول بالعقوبة إلى تخوم القتل تعزيرا.

[email protected]