وكنا نحن السبب!

TT

إحدى قريباتي اختارت الرهبانية, فاختفت في أحد الأديرة في مدينة تارنتو وهي مدينة في أقصى الجنوب من ايطاليا. لماذا اختارت هذا المكان؟ من الذي دلها عليه؟

أما لماذا اختارت حياة الرهبانية, فلا أعرف بالضبط. ولكن استطيع أن أجد لها مبررا. فأمها كاثوليكية. وكانت على خلاف دائم مع والدها. ولم يكن السبب دينياً. وإنما الرجل ذئب والزوجة الايطالية حاولت أن تستأنسه فاستطاعت أحيانا. وعجزت في كل الأحيان. فمرة جعلته حملا ومرة جعلته كلباً ومرة جعلته ذئباً بلا أنياب ولا مخالب. ولكن لم تفلح في أن تجعله الزوج الوفي لسيدة جميلة ومثقفة ومخلصة. لقد استدرجها إلى مصر وانفرد بها.

وبسبب هذه الخلافات الشديدة انحازت الابنة إلى الأم. وكان من الطبيعي أن تلتفت إليها العيون الجائعة إلى الحب وإلى المال.. إلى مالها وجمالها. وأحبها شاب. وشاب. وأحبت شاباً. ولكن أمها اعترضت ووالدها وافق. ولم تستطع أن تحب غيره. وأبعدوه عنها بالتهديد والوعيد. وابتعد..

ولم تفطن البنت إلى سلوكيات أمها أيضا. فلا كانت الزوجة الوفية. وسألتني. وقلت. وناقشتني وحاولت أن أقنعها. ثم وافقتها. واختفت.

وعن طريق صلتي القوية بكثير من أديرة الكاثوليك الفرانسيسكان في مصر، عرفت مكانها. وسافرت إليها. أحمل الكثير مما كانت تحب.

ونسيت شيئاً مهما: اسمها الجديد.. فلا بد أن يكونوا قد غيروا اسمها. وسافرت ثلاثين ساعة بالقطار. والمدينة حارة جدا مثل أسوان ورطبة مثل الإسكندرية. وأسعدني الحظ عندما عرفت إحدى خادمات الدير. وبعثت برسالة إليها. وجاءت حانية الرأس مضمومة اليدين خفيضة الطرف وفي نظرة واحدة طويلة من عينيها عرفت السبب. وأحزنني ذلك، فقد كنا نحن السبب من أربعين عاماً!