أبجديات

TT

ما مدى حجم مشكلات الخدمات والبنى التحتية بالعالم العربي ؟ هذا السؤال يفرض نفسه وبقوة مع الازدياد الملحوظ في انهيارات خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والمطارات والسكك الحديدية وغيرها، والتي وصلت لمستويات دنيا غير مسبوقة، وباتت حالات الرضى العام عنها مفقودة تماما. فانقطاع التيار الكهربائي الكبير في البحرين أصبح قضية رأي عام بامتياز، ومشكلة المياه وانقطاعها في كل من الأردن ومصر والسعودية لم تعد خافية على أحد، وبلغ حد التفاعل مع المشكلة أن أدت الى استقالة وزيرين من الحكومة الاردنية. وتضاف لذلك طبعا مجموعة مشاكل أخرى لها علاقة بالنقل والمواصلات والمرافق المصاحبة لها. وكان الحديث ولسنوات غير بسيطة (مع ضرورته) منحصرا في قضايا التعليم وتطويره، والقضاء وإصلاحه، والعمل وتحسينه، مع عدم إغفال الحديث الذي لا ينقطع ولا يتوقف عن الإصلاح السياسي وتوسيع رقعة المشاركة السياسية لتشمل أكبر عدد ممكن من شرائح المجتمع وطوائفه، أو عن الصراع العربي الإسرائيلي، والمؤامرات الإمبريالية و.. و.. و. ولكن يبدو ان حجم مشاكل البنى التحتية الخدمية في العالم العربي وصل لمستويات مخيفة تنبئ بمضاعفات كبيرة وحادة، ويبدو أن السبب الرئيسي لذلك هو اختفاء منظومة واضحة للتقييم ومن ثم الثواب والعقاب. لن تفرق كثيرا مع الحاج صالح في الأردن، وجود اتفاقية مميزة مع الولايات المتحدة الامريكية، وهو لا يجد ماء يشربه، ولن يستفيد السيد محمد في مصر من وجود اتفاقية البحر الابيض المتوسط الجديدة مع بلاده، وهو بلا مياه يغتسل بها، ولا أبو سعد بالسعودية سيفرح بانضمام بلاده لمنظمة التجارة العالمية وهو يحلم بماء وصرف صحي. العودة للأبجديات هي ما هو مطلوب اليوم للأجهزة التنفيذية بالحكومات العربية، الشعوب بحاجة للحلول الصغيرة والبسيطة والعاجلة، حلول توفر أبسط الخدمات بفعالية، حيث لم يعد من المقبول في القرن الواحد والعشرين أن يستمر الحديث عن مشاكل بسيطة وهامشية بالنسبة لدول العالم، بينما تبقى حديث الناس وشاغلهم الأول. الخدمات الأساسية ونجاحها بامتياز أولى ولكنها شديدة الأهمية لقياس كفاءة الأداء وقدرته بالنسبة للقطاعات الحكومية، وعليه فقصور الاستثمار فيها، وغياب العدل في تقييم تجارب القائمين عليها سيستمر مثار استغراب ومساءلة طالما لم تتحقق. لم تعد الشعوب العربية ترغب في إنجازات خارقة ولا معجزات، فقط مياه وكهرباء وصرف صحي.

[email protected]