شاعرا الصور المتحركة

TT

فقدت السينما الأوروبية في يوم واحد، 30 تموز الماضي، اثنين من كبار عمالقتها: السويدي انغمار برغمان والإيطالي مايكل انجيلو انطونيوني. كلاهما غيّر مفهوم العمل السينمائي، مثل بيكاسو في الرسم، ولكن دون تجريد. وكلاهما غاص في عمق الطباع البشرية وضعف الانسان وشراسته. وكلاهما حول السينما، بأسلوبه، إلى شعر وموسيقى وأدب وألم. قبل غيابهما بقليل، كانت قد صدرت بضعة كتب عن أعمالهما. وبعد غيابهما عن تسعة عقود متدلية الثمار، صدرت عشرات المقالات في عواصم أوروبا تودع اشهر توقيعين في اسفل الشاشة المعاصرة. إليكم بعض اقوال انطونيوني وبرغمان، في السينما والحياة.

انطونيوني: كان أبي نزيها على نحو ماسي. وقد تعلمت ذلك منه.

برغمان: كان أبي يمتلك موهبة التمثيل. وكان قلقا وشرسا. لم يكن مسموحاً لنا أن نصفّر، او ان نمشي وأيدينا في جيوبنا. نشأت في جو متصلب وقاس. كانت تعاليمنا قائمة على الاعتراف بالخطيئة وطلب الغفران. ولكن بعد العقاب. وبعدما كان يضربنا كان علينا أن نقبل يده. امضيت عمري اكرهه، لكن عندما توفيت أمي تقاربنا كثيرا. كانت تذهلني نزاهته. فجأة اسقط قناعه القاسي. وفي فيلمي «المتواصلون» الكثير عن شخصيته.

انطونيوني: من الصعب على المخرج، مهما حاول، ان يرسم التحولات النفسية في الإنسان.

برغمان: الاخراج فن يحاول الغوص في الزمن وفي الحلم. وجذور الحلم تقبع في مكان ما، منا. وليس هناك فن يسبر اغوارنا المظلمة مثل السينما. الفيلم حلم. وهو أيضاً موسيقى.

انطونيوني: منذ البدء والأدب يحاول معالجة الشر والمعاناة. ولا اعتقد ان هناك عملا ضخما يعالج الحق والفرح. يقال ان الحق لا تاريخ له.

برغمان: الشر وبائي. وسواء سميته الخطيئة او غيرها، فإن الانسان هو الذي اخترعه. ان في الانسان ميلا إلى تدمير الذات وتدمير الآخر وتدمير محيطه.

انطونيوني: المستقبل؟ دعني انقل عن كيركغورد ذلك القول الشهير: «عندما نريد ان نفهم الحياة، نعود إلى الماضي. عندما نريد ان نعيش نتطلع إلى المستقبل. انا، في مثل عمري، ليس امامي سوى خيار واحد: ان تكون الأيام آتية افضل وإلا فاليأس عميم. الانسان امام خيار واحد: اما ان يتأقلم أو ان يموت. هذا كان موضوع فيلمي «الصحراء الحمراء»: التأقلم مع المحيط والضوضاء والتلوث والآلات.

برغمان: كان انطونيوني سائراً في الطريق الصحيح. ثم ضاع. لقد اضاعه الشعور بالملل والاكتفاء.

انطونيوني: برغمان بعيد جدا عني، لكنني معجب به. هو أيضاً يركز على الفرد. وهذا اهم ما فيه. ولكن اشخاصه والمشاكل التي يطرحها بعيدة جدا عني.