قضية جنرال ديموقراطي!

TT

قبل حوالي ثلاثة أشهر بدأت أقرأ في الصحف الأميركية مقالات افتتاحية تطالب الجنرال برويز مشرف بتطبيق الديموقراطية في باكستان. وبعدها بقليل انتقل هذا الرأي الافتتاحي إلى صحف لندن، وبينها «الغارديان» في اليسار الليبرالي و«التايمس»، الآن جريدة ومواقف وسياسة روبرت مردوخ. وأعرف من متابعات ماضية انه عندما تبدأ الافتتاحيات الأميركية في مطاردة زعيم سياسي ما، يجب التطلع إلى ما وراء الأكمة. خصوصا عندما تتناول الصحف الكبرى الحلفاء.

بعد بدء الموسم الافتتاحي على نحو ظاهر، تحرك خصوم مشرف في الداخل، وطبعا خصوم أميركا، أو أعداؤها. وليس من الضروري أن يكون هناك توافق في التوقيت. لكن في الصراع السياسي لا أحد يفوّت الفرصة السانحة. والمثل الشعبي البرازيلي يقول إن ثلاثة أشياء لا تعود: الكلمة إذا قيلت، والحجر إذا رمي، والفرصة إذا مضت. ولم تتوقف الدعوات إلى «الديموقراطية» بعد أحداث تموز الماضي، من قضية عزل (وإعادة) رئيس المحكمة العليا افتخار شودري إلى احتلال واقتحام «المسجد الأحمر». ولست مطلعا على السياسة الباكستانية أكثر من أي قارئ، لكنني لا أدري كيف غاب عن بال الجنرال مشرف أن القلاقل أمام أهل الحكم تبدأ دائما مع رئيس المحكمة العليا: عند تعيينه وعند صرفه. وهناك تجربتان ماثلتان على الأقل، تجربة بنازير بوتو وتجربة نواز شريف. وكانت اتهامات «الفساد» الموجهة إلى شودري بائسة. ومن التهم انه قَبل عدة نقلات مجانية في طائرة هليكوبتر وانه ـ رئيس المحكمة العليا ـ قَبل رشاوى في شكل أنابيب معجون أسنان. وللتوكيد على ذلك ودفع كل شك، فإنها كانت من ماركة «سنسوداين» الفاخرة ـ من دون تحديد الطعم: نعناع، فراولة أو خلافها.

كان الغرب ـ خصوصا الافتتاحي ـ أكثر من شجع نظام مشرف. وليس سرا استراتيجيا أن باكستان، قبل 11 سبتمبر واليوم وغدا، هي أكثر بلدان العالم حساسية. أولا في الحرب الباردة، وبعدها مع «القاعدة» أو غيرها من خصوم وأعداء جورج بوش ومنظريه. وخلال المرحلة السوفياتية ثم في المرحلة الطالبانية، لعبت باكستان الدور الأكثر أهمية. ولذلك امتدحتها الافتتاحيات طويلا. وطويلا تحدثت الصحف الأميركية عن تقدمها الاقتصادي وعن أداء الجنرال مشرف، الذي جاء إلى الجيش من عائلة قدمت من الهند، وكانت من الطبقة «البورجوازية»، أي ذات عادات غربية. لكن يبدو أن مشرف بقي في منتصف الطريق في مطاردة «القاعدة» وقادتها. وقد اعتقل نحو ألف شخص سلم الأميركيين ثلثهم تقريبا. ولم يكن ذلك كافيا. فالقياديون ظلوا في أمكنة ما، بين باكستان وبين الجارة الأزلية التململ والاضطراب. ولا اعرف ماذا يريد الغرب من مشرف على وجه التحديد: هل هو حقا يريد برلمانا ديمقراطيا في بلد تناوب على حكمه الجنرالات، علنا أو سرا، أم انه يريد منه اعتقال ذوي الأسماء الأكثر شهرة.