مؤتمر الخريف المقبل : حلم وردي في ليلة ربيعية مقمرة !

TT

منذ الآن وحتى الخريف المقبل، الذي اقترب مجيئه ولم تعد هناك سوى نحو ثلاثة شهور تفصلنا عنه، فإن التساؤلات تزداد يوماً بعد يوم حول المؤتمر المتعلق بالقضية الفلسطينية الذي دعا إليه الرئيس الأميركي جورج بوش: هل أن هذا المؤتمر سينعقد يا ترى في الموعد المحدد له، ثم وإذا انعقد فهل سيكون هناك أي انجازٍ ولو في الحدود الدنيا، أم أنه سيكون مجرد محطة صغيرة للتلاعب بعامل الوقت ومن قبيل العلاقات العامة..؟!

إن المفترض أن تعود وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في زيارة جديدة إلى هذه المنطقة في السابع عشر من سبتمبر (أيلول) المقبل وأن المفترض أنها ستحمل معها في هذه الزيارة ما لم تحمله في المرة السابقة وفي المرات التي سبقت المرة السابقة، والمقصود هنا هو جدول الأعمال الذي سينعقد على أساسه مؤتمر الخريف المقبل الذي يريده الرئيس جورج بوش دولياً بينما كل الحيثيات المتوفرة تشير إلى أنه لن يكون كذلك.

المشكلة هي مشكلة الإطار السياسي لهذا المؤتمر، الذي ستكون المشاركة الرئيسية فيه للجنة الرباعية المشكلة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، والذي ستدعى إليه بعض الدول العربية كمصر والأردن والمملكة العربية السعودية، وربما أيضاً دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي بات في حكم المؤكد أن الدعوة إليه لن تشمل سوريا، والدليل على هذا أن الرئيس الأميركي هاجمها هجوماً عنيفاً في آخر تصريحات له حول هذه القضية.

والمعروف أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) كان، بعد لقاء الإسكندرية الأخير بينه وبين الرئيس المصري حسني مبارك، قد قال إن الإطار السياسي الذي سينعقد على أساسه مؤتمر الخريف المقبل سيكون مبادرة السلام العربية مضافاً إليها أولاً «خارطة الطريق» المعروفة ثم ما جاء في بعض تصريحات جورج بوش الجديدة والقديمة المتعلقة بهذه المسألة.

في زيارتها السابقة إلى القدس المحتلة ورام الله حيث عقدت محادثات تركزت على المؤتمر الدولي المشار إليه، أي مؤتمر الخريف المقبل، مع كل من محمود عباس وايهود أولمرت، شددت كونداليزا رايس على نقطتين أساسيتين، قالت إن على الفلسطينيين والإسرائيليين إنجازهما قبل الموعد المفترض لهذا المؤتمر، وهي من أجل هذا اقترحت سلسلة من اللقاءات المباشرة بين الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي خلال الفترة المتبقية منذ الآن حتى الخريف المقبل .

وهاتان النقطتان هما:

أولاً: التوصل من خلال المحادثات المركزة المباشرة بين محمود عباس وايهود أولمرت إلى إطار عمل فلسطيني ـ إسرائيلي على غرار إطار العمل الذي توصل إليه الأردنيون والإسرائيليون عشية توقيع اتفاقية السلام الأردنية ـ الإسرائيلية الشهيرة التي وُقِّعت في وادي عربة إلى الشمال من مدينة العقبة (الأردنية) في عام 1994.

ثانياً : تحضير مشروع اقتصادي متكامل على غرار المشروع الذي تقدم به رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة إلى الدول المانحة والذي حصل لبنان بموجبه على مساعدات دولية مجزية بلغت مليارات الدولارات.

هذا ما طلبته كونداليزا رايس من الفلسطينيين والإسرائيليين في زيارتها السابقة وقالت إنه يجب أن يكون جاهزاً عندما ستعود إلى هذه المنطقة في زيارة جديدة وهي الزيارة التي من المفترض أن تقوم بها في السابع عشر من شهر سبتمبر المقبل والتي تنظر إليها بعض الأوساط الفلسطينية على أنها ستكون حاسمة وفي غاية الأهمية بينما تنظر إليها أوساط فلسطينية أخرى على أنها لن تكون أكثر من مجرد جولة علاقات عامة ومثلها مثل كل الزيارات السابقة!.

ولذلك، واستجابة لما طالبت به رايس الفلسطينيين والإسرائيليين في زيارتها السابقة، فقد عقد «أبو مازن» وايهود أولمرت اجتماعين متلاحقين، الأول في القدس المحتلة وقد وُصِفَتْ نتائجه بأنها إيجابية ومشجعة، والثاني في أريحا وقد وُصف بأنه كان مجرد قفزة في الهواء، والحقيقة أنه ترك انطباعا سيئاً لدى الرأي العام الفلسطيني ولدى العرب الذين يتابعون القضية الفلسطينية.. وهنا فإن ما زاد الأمور سوءاً أن وزير الدفاع الإسرائيلي، رئيس الوزراء الأسبق ايهود باراك، أطلق، بعد هذا اللقاء الأخير مباشرة، تصريحات استبعد فيها وجود إمكانية حقيقية وفعلية لأي حل قبل خمسة أعوام على الأقل.

في الاجتماع قبل الأخير لم يقتصر الحوار والنقاش على الإجراءات والتصرفات الإسرائيلية اليومية التي تنغص عيش الفلسطينيين في الضفة الغربية وأيضاً في قطاع غزة بل وقد تعدى هذا إلى الحديث عن عمق القضايا المتعلقة بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة ذات الحدود المتصلة والقابلة للحياة والاستمرار مثل قضية القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات والجدار العازل، أما بالنسبة للاجتماع الأخير الذي هو اجتماع أريحا فإنه كان بلا جدول أعمال، ولذلك فإنه لم يسفر عن أي تقدم وبخاصة بالنسبة للإطار السياسي الذي من المفترض أن يذهب به الفلسطينيون والإسرائيليون إلى مؤتمر الخريف المقبل الآنف الذكر.

في هذه الأثناء، وقد أُعتبر هذا فأل خير ودلالة على تغير جذري في المواقف الإسرائيلية، أطلق الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز مشروعه الواعد الذي نشرته صحيفة «هآرتس» والذي ضمنه سلسلة من المبادئ من أهمها التأكيد على استعداد إسرائيل للانسحاب من كل الأراضي الفلسطينية التي احتلت في حرب يونيو (حزيران) عام 1967 مع الاتفاق على تبادل خمسة في المائة من هذه الأراضي مع الإسرائيليين لأسباب ديموغرافية، لكن ثبت أن هذا المشروع هو مجرد «فقاعة» شمعونية جديدة وعلى غرار كل مشاريعه ومبادراته القديمة التي ثبت أنها كانت مجرد أحلامٍ وردية لا تمثله إلا هو نفسه.

والآن وبينما الفلسطينيون، الذين أوضاعهم لا تسر الصديق ولا تغيظ العدا، ينتظرون زيارة رايس المقبلة على أحر من الجمر، فإن السؤال المتداول في أوساطهم وفي الأوساط العربية المتابعة هو: ماذا سيحصل منذ الآن وحتى الخريف المقبل، وهل أن المؤتمر (الدولي) الذي دعا إليه بوش سينعقد، ثم وإنْ هو عقد بالفعل فهل سيسفر عن أي شيء جدي في اتجاه استحقاق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة ..؟!.

وللإجابة على هذا السؤال لا بد من التأكيد على أنه إذا لم يمارس الأميركيون ضغطاً حقيقياً على الإسرائيليين، على رئيس الوزراء ايهود أولمرت، وعلى وزير دفاعه ايهود باراك، فإن أي شيء جديد لن يتحقق حتى وإن تم عقد هذا المؤتمر وفي موعده في الخريف المقبل، وهذا معناه أن هذه المنطقة الملتهبة ستبقى مرشحة لأن تستقبل كارثة جديدة مدمرة بالإضافة إلى الكارثة العراقية والكارثة اللبنانية والكارثة الأفغانية وبالإضافة إلى كوارث كثيرة نائمة قد تستيقظ في أي لحظة.

لا يجوز الركون إلى حسن نوايا الإسرائيليين وطيب أخلاقهم، فهؤلاء لم يتورعوا عن قتل إسحق رابين الذي يعتبر أحد أبطالهم التاريخيين بسبب اتفاقيات أوسلو المتواضعة جداً وغير المقبولة من قبل قطاع واسع من الفلسطينيين والعرب، وهؤلاء باتوا يشعرون، بعد انقلاب غزة العسكري الأخير، أنهم حققوا إنجازاً هائلاً كانوا يسعون إليه منذ فترات سابقة بعيدة وأنه عليهم استخدام هذا الإنجاز للتهرب من أي حل جدي للقضية الفلسطينية ولقطع الطريق على استحقاق الدولة الفلسطينية المستقلة.

إن هذا هو أحد التحديات التي تواجه مؤتمر الخريف المقبل، حتى في حال انعقاده، أما التحدي الثاني فيتمثل في أن سوريا، التي تأكدت من أنها لن تحضر هذا المؤتمر، وأنها لن تدعى إليه، قد لجأت، مدعومة بالموقف الإيراني المؤثر، إلى مناورة جديدة عنوانها: «رأب الصدع بين الأشقاء الفلسطينيين» والهدف هو التعطيل وإيجاد مبرر للإسرائيليين ليواصلوا الحديث عن عدم وجود الطرف الفلسطيني المفاوض، وعن أنه لا فرق بين محمود عباس وخالد مشعل!.

إن المعروف أن سوريا، التي باتت تمسك بورقة فلسطينية هامة جداً بعد انقلاب «حماس» العسكري الأخير، هاجمت هذا المؤتمر على لسان وزير خارجيتها وليد المعلم، وكان مندوبها إلى آخر اجتماع لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية قد انسحب من هذا الاجتماع بعد اعتراضه على مؤتمر الخريف المقبل والقول إنه لا يجوز عقد مؤتمر دولي للقضية الفلسطينية بينما الفلسطينيون منقسمون بين دولة غزة ودولة الضفة الغربية.

وهكذا، فإن الأمور كلها تبقى مفتوحة على شتى الاحتمالات، فقد ينعقد هذا المؤتمر وفي موعده، لكن انعقاده قد يكون مجرد قفزة في الهواء ومجرد علاقة عامة لا أكثر ولا أقل، وقد تشهد الشهور الثلاثة المقبلة مفاجأة غير سارة وغير متوقعة، فيبقى كل شيء على حاله، وربما تسوء الأحوال أكثر ثم وقد تجري الرياح كما تشتهي السفن، وهذا هو الذي يمكن وصفه بأنه الحلم الوردي في الليلة الربيعية المقمرة !.