سلام السنة الأخيرة في الولاية الثانية

TT

عاش العرب أربعة عقود على الأقل في وهم تصور «تحرر» الإدارات الأميركية من النفوذ الصهيوني في الولاية الثانية لأي رئيس اميركي يتطلع إلى تتويج أمجاده بتحقيق تسوية سلمية للنزاع العربي ـ الإسرائيلي...إلى أن أثبتت تجربة الرئيس الاميركي السابق، بيل كلينتون، أن الإدارة الأميركية أعجز من أن تواجه «الفيتو» الإسرائيلي لمقترحاتها حتى ولو أتت في الشهر الأخير من السنة الأخيرة في الولاية الثانية.

ولكن هل أصبحت «عادة دبلوماسية»، بعد تجربة كلينتون، أن يهتم رئيس الولايات المتحدة بالقضية الفلسطينية فقط في السنة الأخيرة من ولايته الثانية؟

هذا ما توحيه تسريبات إدارة الرئيس جورج بوش عن سعيها لعقد مؤتمر سلام عربي ـ إسرائيلي في الولايات المتحدة الخريف المقبل ـ أي مع بداية السنة الأخيرة من ولاية بوش الثانية.

غير خاف أن الإدارة الجمهورية مهدت الطريق لهذا المؤتمر بجولة شرق أوسطية لوزيرة خارجيتها، كوندوليسا رايس، وبوعد بالمزيد من المساعدات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية في رام الله، وحتى بزيارة غير مسبوقة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، إلى أريحا كان هدفها الأبرز إبلاغ الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وجاهة، إقراره بمبدأ قيام الدولة الفلسطينية «في أقرب وقت ممكن».

إذن عدنا، والعود أحمد، إلى دبلوماسية سلام السنة الأخيرة من الولاية الثانية للرئاسة الأميركية... ولكن بأي حافز هذه المرة؟

المستغرب في هذا السياق ليس عودة واشنطن الى تحريك مشاريع التسوية في الشرق الأوسط بل سكوتها أربعين سنة على الاحتلال الإسرائيلي للضفة والقطاع.

استمرار هذا الاحتلال لأربعة عقود يشكل، بحد ذاته، إدانة مزدوجة لمصداقية زعامة الولايات المتحدة لعالم اليوم ولمفهوم «صداقتها» لدولة إسرائيل رغم أنها لم تبد، حتى الآن، اعتبارا يذكر لأي «نصيحة» اميركية، سواء أتت في آخر الولاية الرئاسية أو مطلعها.

مع ذلك، أن يأتي سلام الشرق الأوسط متأخرا أفضل بكثير من أن لا يأتي أبدا. ولكن، بعد أن تحول هذا السلام اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى «سلام الشجعان»، لم تعد تنقصه حاجة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى السلام بقدر ما تنقصه الحاجة إلى «الشجعان»... فلا رئيس الحكومة الإسرائيلية، ايهود اولمرت، قادر على تجاوز أزمة ثقة الإسرائيليين بقيادته بعد حرب الصيف الماضي على لبنان، ولا الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، قادر على تأكيد تمثيله للقرار الفلسطيني الواحد بعد «انشطار» أراضي السلطة الفلسطينية إلى قطرين، شرقي وغربي، يهدد استمراره بتحويل الدولة الفلسطينية، قبل قيامها، بمصير مشابه لمصير باكستان (الغربية والشرقية) بعد استقلالها عن الهند.

ظروف سلام الشرق الأوسط تبدو اليوم أصعب من أي فترة انقضت على الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، فمفهوم الانسحاب العسكري الأحادي من الأراضي المحتلة ـ الذي ورثه حزب كاديما عن ارييل شارون وانتخب نوابه على أساسه ـ زال من أجندة الحزب بعد أن أظهر الانسحاب من لبنان ومن قطاع غزة انه لا يضمن أمن إسرائيل، وبعد أن أثبتت حرب الصيف الماضي على لبنان أن الداخل الإسرائيلي لم يعد بمنأى عن الصواريخ العربية.

على ضوء هذه المعطيات المرشحة للتفاقم مع استمرار المواجهة الأميركية ـ الإيرانية في المنطقة قد يتكرر فشل الرئيس كلينتون في تحقيق السلام عام 2000 مع الرئيس بوش عام 2007... ما لم تقنع الإدارة الأميركية إسرائيل بان مرحلة إعطاء «القليل» للفلسطينيين والاحتفاظ «بالكثير» للاحتلال انقضت مع تجربتي الانسحاب الأحادي من لبنان وغزة، وان كل تأخير في اغتنام فرصة العرض العربي «للأرض مقابل السلام» من شأنه أن يفقدها السلام على المدى الطويل... دون أن يحفظ لها الأرض.

لذلك، وكما سبق للإسرائيليين أن تخلوا عن حلم إسرائيل الكبرى بعد الانتفاضتين الفلسطينيتين، بات عليهم اليوم اختصار سنوات معاناتهم الأمنية والتخلي عن حلم استعمار الضفة وضم القدس الشرقية.

... عندئذ يصبح عقد التسوية السلمية مجرد تفاصيل.