المضحك في علاقات أميركا مع الهند وباكستان

TT

احتفلت الهند الأسبوع الماضي بالذكرى الستين لاستقلالها، ورافق ذلك حوار برلماني صاخب حول الطاقة النووية وعلاقتها الاستراتيجية الجديدة بأميركا. وهذا ما جعل نيودلهي تبدو وكأنها عاصمة قوة دولية تنظر بعيدا إلى مستقبل واعد ومعقد في آن واحد.

أما باكستان فاحتفلت بالمناسبة من خلال الغرق أعمق في الماضي. فالقاعة الخلفية الفاسدة التي ظلت ما بين الحكام العسكريين والسياسيين لم تحقق لباكستان سوى دائرة من الكوارث، مدعومة بيد خفية من الدبلوماسية الأميركية التي تعمل للحفاظ على سلطة الرئيس برويز مشرف المهزوزة.

أظهرت ذكرى التقسيم، الذي جرى لشبه القارة الهندية قبل ستة عقود، الوجهين المختلفين في المنطقة: الأول يتمثل بنظام ديمقراطي صلب لكنه يمتلك مخزونا من الأسلحة النووية. كذلك كشفت المناسبة عن وجهين متعارضين للسياسة الخارجية التي تتبعها إدارة بوش، حيث تتصارع بعض الأفكار الجريئة حول المستقبل مع الحاجة إلى حلول قصيرة الأمد تستند كثيرا إلى الأوهام.

دافع رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ عن الاتفاق النووي مع أميركا ضد هجوم واسع شنه الشيوعيون في البرلمان مع اليمين الهندوسي، وهذا ما أبقى إدارة بوش تأمل في أن يتمكن الرئيس في نهاية المطاف أن يترجم التفكير غير التقليدي في السياسة الخارجية إلى إنجاز أساسي.

يشكل الاتفاق تحولا في العلاقات ما بين أميركا والهند، وهو عنصر أساسي في الصراع ضد الإرهاب الجهادي المتحرك، فيما يقيم الأساس لاتفاقيات منع انتشار الأسلحة النووية على المستوى العالمي، ومنع الممارسات التي سمحت لباكستان أن تصبح دولة نووية. وإنه أمر جوهري لتحقيق الأمل بالمقاربة العالمية لمواجهة مخاطر الاحتباس الحراري على مستوى كوكب الأرض ككل.

لا يحتاج سينغ إلى موافقة البرلمان على الاتفاق الذي سيفتح الطريق لأميركا ولدول أخرى كي تبيع مفاعلات نووية ووقودا نوويا للهند لأغراض سلمية. وإذا تمكن رئيس الوزراء من الحصول على تصويت كاف بالثقة به كي يحافظ على منصبه مثلما هو متوقع فإن سينغ سيضع الاتفاق موضع التنفيذ حالما يصادق الكونغرس الأميركي على التفاصيل الأخيرة للاتفاق في نهاية هذا العام. ومصادقة من هذا النوع لبوش خلال آخر عام له في البيت الأبيض سيشكل انتصارا نادرا له.

لكن هذه هي نصف القصة المتعلقة بالذكرى. فالذكرى الستون لباكستان تمثل فشلا ذريعا بالنسبة لنفسها وبالنسبة للدبلوماسية الأميركية بشكل معاكس للعلاقة الاميركية الهندية التي تحمل وعودا بالنجاح على كلا الصعيدين.

ففي باكستان حلت الأنظمة العسكرية الباكستانية المتعاقبة محل السياسيين الفاسدين غير الفعالين، واستولت على ثرواتهم بما تستطيع، ثم حولت الأوضاع المتسمة بالفوضى التي خلقتها إلى سياسيين غير إصلاحيين، لتبدأ الدورة مرة أخرى. والاتفاق الضمني انه ما من طرف يمكن أن ينفذ تغييرا أساسيا في المجتمع الذي يحكمونه والمنقسم على نحو عميق.

وبدا مشرف عندما استولى على السلطة عام 1999 قادرا على كسر القاعدة. ولم يكن الجنرال الأقل فسادا والأكثر ذكاء من الحطام العسكريين السابقين، وبديلا غير جذاب للمدنيين الذين حل محلهم. وكان موقفه العملي من الهند يبدو أكثر أصالة من أي موقف اتخذه رؤساء وزراء منتخبون مثل بي نظير بوتو ونواز شريف.

ويمارس مشرف نوعا من الانتحار الذاتي التدريجي، وربما بسبب المساعدة الأميركية التي تدفقت بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001. فقد تلقى معاملة جيدة من واشنطن حتى على الرغم من أنه اخفق في اختبارات حاسمة بشأن معاقبة بلده حول الانتشار النووي الذي أثار عدم استقرار في العالم، وإزالة «القاعدة» وطالبان وقواعد الإرهابيين الكشميريين الذين يتلقون مساعدات من جانب مؤسسة مخابراته. والسكان المدنيون في الواقع الفعلي متمردون ضد مشرف.

وأشارت تقارير إلى أن وزيرة الخارجية ومساعديها حثوه على متابعة مفاوضات سرية مع بوتو في ما يتعلق بموعد إجراء الانتخابات ومشاركتها في السلطة. ولكن إذا كانت إعادة بوتو إلى السلطة جزءا من الحل فإن المشكلة قد لا تحل. فتلك المناورة هي عودة إلى السجل السلبي للماضي وتجاوز للتجربة.

ولكن حل المأزق في باكستان لم يحصل، والسبب القرارات الأميركية الرامية إلى تطبيق حلول قصيرة الأجل لواحدة من أخطر مشكلات العالم وأبعدها مدى. وفي سياق تملق الصين كسبا لرضاها، واغاظة زعماء الهند، واستنزاف القوات السوفياتية في افغانستان، أو الكثير من الأغراض الأخرى، تجاهلت واشنطن زعماء باكستان ومشكلات مجتمعهم العميقة الجذور.

وفي المقابل تقدم الزعامة الأميركية الجديدة مع الهند الكثير للمستقبل، بما في ذلك نموذجا للتعامل مع بلد في جنوب آسيا يحتفل بذكرى استقلاله الستين، عبر السعي إلى تغيير كبير بعيد المدى، بدلا من السعي إلى بدائل تقليدية مؤقتة لحل آخر الأزمات، كما الحال مع باكستان .

* خدمة مجموعة كتاب «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»