مائة عام سينما

TT

تحتفل السينما المصرية بمرور قرن على ارتفاع شاشتها. وبعد مائة عام، لا تزال هي السينما العربية الوحيدة، برغم محاولات فردية هنا وهناك، لم تستطع ان تشكل صناعة او ثقافة سينمائية ذات حضور جماهيري. ولم تعرف أفئدة العرب تأثيرا كالذي تركته شاشة مصر. وكان رجالها ونساؤها يتحكمون بمشاعر كل بيت، طربا او حزنا او سلوى. ولم يكن محمد عبد الوهاب سوى حنجرة ذهبية ليست لها موهبة تمثيلية. وما كان عبد الحليم حافظ سوى عندليب. ولا كان فريد الاطرش إلا بلبلا شجيا. ومع ذلك جعلت منهم الشاشة المصرية «الفتى الاول»، وحملتهم الى العرب يرددون أغانيهم ويتأوهون لآهاتهم. وتحكي الروائية حنان الشيخ في «حكايتي شرح يطول» كيف أن أمها كانت تهرب الى السينما القريبة لتبكي حالها مع احزان عبد الوهاب وآلام نجاة علي. وكانت تلك صورة ذلك الجيل في رومانسيات القرن الماضي التي طبعتها الشاشة المصرية والرواية المصرية. ولا ادري ان كان الفضل للرواية أم للشاشة في الوصول الى قلوب الناس. لكن السينما حملت تواقيع الكبار من طه حسين الى يحيى حقي الى نجيب محفوظ الى يوسف ادريس الى احسان عبد القدوس. واحتلت ذاكرة الاجيال أحداثا لا يغيب وقعها الحافر. نتذكر نجيب الريحاني فنضحك ونستعيد أسى فاتن حمامة فنحزن، ووداعة حسين رياض وعبد الوارث عسر فنضعف، وشرور محمود المليجي وتوفيق الدقن فيثور فينا الغضب.

وكان للشاشة المصرية دائما سيدة تجتذب أطياف الجماهير: فاتن اعقبتها سعاد حسني وسعاد اعقبتها يسرى التي لا تزال تملأ الافئدة عذوبة. وأغرقت السينما نفسها طويلا وكثيرا في ضرورات «السوق» وشباك التذاكر، ولكن بقي لها على الدوام ممثلون مبدعون مثل احمد زكي ويحيى الفخراني. وكان من اشهر «صدفها» التاريخية عمر الشريف، الذي جاء الى السينما من الجامعة وخرج من مصر الى السينما العالمية يعطى أدواراً اولى في بعض اشهر الافلام.

كاد انتشار التلفزيون يؤثر في مركز او مرتبة مصر الفنية. لكن السينما ما لبثت ان نفضت عنها التراخي والاستسلام لطغيان الشاشة المنزلية المريحة. ومرة اخرى انتقلت الرواية الكبيرة الى الشاشة مع علاء الاسواني و«عمارة يعقوبيان». وذات مرحلة كاد عادل امام ينسي الناس نجيب الريحاني وعادل خيري ـ كلاهما لم يعش طويلا ـ وكان بمجرد ان يتحرك على المسرح، او على «البلاتو» تطق له الخواطر ضحكا. ولا ادري ماذا حدث بعد ذلك. فقد قرر ان يركب الخيول مثل جون واين وأن يرخي على كتفيه شعرا طويلا مثل «الفايكنغ» ولم يكن مقنعا ولا عاد مضحكا. وصار يحمل رشاشات ويحارب الارهاب. وقد فقدت ممثلا كبيرا وفقد هو مشاهداً متواضعاً.