الفراعنة في اليابان

TT

لم أكن أتصور أن يغزو الفراعنة اليابان، وأن يحمل اليابانيون كل هذا العشق للحضارة المصرية القديمة، ففي جامعة واسيدا اليابانية واحتفالاً بمرور 125 عاماً على إنشائها حضرت افتتاح معرض صغير للآثار المصرية كجزء من احتفالية الجامعة، التي يعمل قسم الآثار والحضارة فيها في مصر منذ ما يقرب من أربعين عاماً، وقاموا بالعديد من الاكتشافات الأثرية المهمة في العديد من المناطق الأثرية من الأقصر جنوباً إلى سقارة وأهرامات الجيزة شمالاً.. ومما لا شك فيه أن ياسوجي يوشيمورا هو أحد أشهر علماء هذه الجامعة، بل إنه من الشخصيات المعروفة في المجتمع الياباني، يعرفه رجل الشارع من خلال اشتراكه وظهوره في العديد من الإعلانات التلفزيونية، وعندما يمشى في الشارع تجد اليابانيون ينحنون له في كل مكان احتراماً وتقديراً. وقد اتجه إلى الإعلانات حتى يتمكن من تمويل الحفائر التي يقوم بها في مصر.. وقد تقابلت معه لأول مرة منذ سنين طويلة عندما كان يعمل في ترميم حفرة مركب الشمس الثانية، التي تقع إلى الجنوب من هرم الملك «خوفو»، وإلى الغرب من متحف مركب الشمس. وقد اعترضت في ذلك الوقت على بعض الجوانب العلمية والتقنية في المشروع، وقدمت عددا من الإجراءات التي يجب تنفيذها قبل البدء في أي عمل علمي، وذلك حماية للأثر في موضعه وتأمين الكشف عنه، من دون أي مساس بحالته، وللأسف كان المسؤول عن الآثار في ذلك الوقت مولع بالهدايا اليابانية؛ ولذلك لم يكن يهمه أو لم يكن يعرف ضرورة وضع خطوات علمية للمناقشة قبل بدء المشروع. ومن المعروف أن الراحل كمال الملاخ، هو الذي كشف عن هذه المراكب عام 1954، وقد تم فتح الحفرة الشرقية، واستطاع عبقري الترميم الحاج أحمد يوسف أن يعمل في ترميم المركب سنوات حتى فتحت للزيارة. وداخل الحفرة عثر على المركب مفككا إلى 1224 قطعة خشبية موضوعة في 13 طبقة متراصة فوق بعضها البعض تجاورها بقايا الحبال والحصير وأدوات الملاحة الخاصة بالمركب، ودائما ما أقول أن على كل من يحاول مناقشة كيفية بناء المصري القديم لهرم الملك «خوفو» أن يشاهد أولاً عبقرية بناء هذا المركب الضخم، الذي يبلغ طوله حوالي 45 متراً وعرضه من المنتصف حوالى تسعة أمتار، ولم يستعمل الفراعنة مسامير في تثبيت الأخشاب؛ بل استخدموا الحبال لربط الأخشاب، وكذلك استخدموا حشوات خشبية صغيرة في لحام أخشاب المركب بعضها ببعض. وأنا أعتقد أن هذا المركب لم يستعمل في حياة الفراعنة، بل كان عبارة عن مركب رمزي خاص برحلة النهار، والآخر الغربي خاص برحلة الليل.

وقد دخلت هذه الحفرة حشرات، نتيجة لفتح ثقب في الجانب الشرقي عند الكشف عن المركبين. وجاءت الجمعية الجغرافية ووضعت كاميرا لتكشف تلف الأخشاب ووجود حشرات داخل الحفرة. وفي بداية المشروع الياباني تناولت الصحافة هذا الموضوع، ونشر على لساني بعض الكلمات التي لم تعجب يوشيمورا في ذلك الوقت، ورفع قضية ضدي. وصممت على تعديل المشروع، وفعلاً تم تعديله وسمح لهم بالعمل، واستطاعوا قتل الحشرات الموجودة بالداخل وغلق الحفرة وإقامة مبنى فوقها للحماية. ظلت علاقتي بيوشيمورا عادية حتى وجدته يوماً يدعو الدكتور أحمد قدري، بعد إحالته للمعاش، لكي يقوم بالتدريس بجامعة واسيدا ويتم علاجه كذلك من مرض سرطان الكبد... وهو موقف نادر من أي أجنبي تجاه شخص ترك السلطة، يومها احترمت هذا الرجل ودعوته لمقابلتي لأقول له: «إنك رجل عظيم... لأنك دعوت إنساناً بعد أن ترك المنصب ولم يعد بالسلطة!».

www.guardians.net/hawass