نابالم وخناجر

TT

هل من الضروري ان تقوم حرب أهلية من اجل ان تتخلص من زوجتك؟

الجواب: احيانا. وهناك جواب آخر: ليس الأمر ضرورياً بصورة مطلقة، ولكن يمكن ان يساعد! وقد حدث ذلك اثناء حرب لبنان. فقد كان صديق لنا متزوجاً من فرنسية. ومع بداية الحرب كان قد دبَّ الملل والخلاف، فحاول ان يقنعها بأن قوانين السلامة تقتضي ان تعود إلى أهلها وديارها، لكنها اصرت على الصمود داخل الحصن الزوجي.

اشتدت الحرب واشتد تعلق الزوجة بالزوج غير المتعلق. أو المعلق اذا شئت. وكان يروي لها عن الأهوال التي سوف تصيب الناس، خصوصاً الأجانب، وبصورة حادة (لا خاصة) ذوي اللون الأشقر. وكان جوابها على الطريقة الدرامية في مسرحيات راسين: «اواه، اواه، يا بعلي الحبيب. لا تفرقنا حروب ولا أهوال». وذات مرة اسرت المسكينة للبعل الحبيب بأن الشيء الوحيد الذي يخيفها هو قنابل النابالم. واصغى جيداً ثم تأكد «هل قلت النابالم؟».

في اليوم التالي اتصل بصديقه مراسل «الغارديان» انذاك ديفيد هيرست، ودعاه إلى العشاء. وفيما دخلت الزوجة المتعلقة الى المطبخ، انحنى البعل المضيف على ضيفه وقال له: «ساعدني. انقذ حياتي. قل لها ان لديك معلومات اكيدة بأن الكتائب سوف يرمون المنطقة غدا بقنابل النابالم». ولما لم يكن النبأ للنشر وانما للسهرة والغاية منه «مساعدة صديق» لكي يربح مليونه، لم يتردد هيرست في اطلاع المضيفة غب عودتها من المطبخ، بأن النابالم سوف يلعلع في سماء بيروت الغربية بعد يومين على أبعد تقدير. وجلس البعل الحبيب يراقب ردة فعلها. وما ان خرج الضيف حتى انحنت تقبل يده: «سامحني، لكنني اريد العودة إلى فرنسا». وتظاهر بالحزن الفراقي لكنه مدَّ يده إلى جيبه وقدم لها التذكرة.

لم يكن صديقنا يقرأ الأدب الفرنسي. ولا، على الأرجح، أي اداب اخرى. ولذلك لا يمكن اتهامه بأنه سرق الفكرة من اديب فرنسا، ورحالتها الى الشرق، شاتوبريان. فقد كان هائماً بحب امرأتين، زوجته ليست احداهما. وعندما هم بالسفر إلى الشرق اوائل القرن التاسع عشر، حزمت الزوجة «سيليست» حقائبها لكي تكون في خدمته: «سوف أشعل الحطب لتدفأ في البرد وأحرك سعف النخل في الحر». وحاول ان يقنعها بأن الشرق رهيب: قطاع طرق وبحار عالية ورمال متحركة وحيتان وأوبئة.

وأصرت «سيليست» على مرافقة اشهر شعراء البلاد، فيما كان هو يخطط للهرب شرقاً ثم العودة الى اسبانيا للقاء صديقته ناتالي دو ناوامي. وفي النهاية استسلم. ورافقته الزوجة حتى البندقية. وذات يوم رأته مدججاً بالمسدسات ومعه بندقية وإلى جنبيه خنجران وربط سيفا إلى صدره، ووضع برميلا من البارود قربه. ولما رأت المشهد قالت له: «هل تسمح لي بالعودة إلى باريس».