أمل في العتمة

TT

لعل الهند تبقى المثال الأشهر لظاهرة الوظائف المصدرة المعروفة بـOut Sourcing وهي عبارة عن القيام بتنفيذ العديد من الوظائف الإدارية المكتبية ذات الصــفة المعروفة بالمكاتب الخلفية، كالمحاسبة والتحليل المالي والتدقيق وخدمة العملاء بالهاتف والبريد الالكتروني، فاليوم نسبة كبيرة من شركات المحاسبة والمراجعة المالية والمصارف وبطاقات الاعتماد والاستشارات الادارية تقوم بـ«تنفيذ» عملها فعليا في مدن بانغلور وحيدر أباد وغيرها بالهند.

ومع الطلب الشديد جدا على الهند وعلى خدماتها، أثمر القانون الاقتصادي الأبسط في منظومة العرض والطلب، وحدث ارتفاع الأسعار المتوقع في الخدمات المقدمة بالهند، نتاج ما يعرف بآلام النمو السريع والمحموم، وبات من الطبيعي على الشركات التي تسعى لهذه الخدمات أن تبحث عن البديل، وفي هذا السياق المحموم للفوز بكعكة الايرادات الكبيرة المتوقعة، تتصارع دول جنوب شرقي آسيا وشرق أوروبا وأمريكا الجنوبية، لتكون البديل المقبول والمجدي. وفي خضم ذلك كله، دخلت على الخط بعض الدول العربية كبديل معقول وهي مصر والأردن والمغرب، وبالفعل وبهدوء استطاعت الاستحواذ على عدد لا بأس به ومشجع من الصفقات والعقود اللافتة والمهمة، سمحت بتوظيف مئات من الوظائف التقنية ذات المرتبات المرتفعة والقيمة المضافة. وفي كثير من هذه الامــثلة كانت هذه الشــركات تقدم خــدماتها لصالح قاعدة عملائها بالشرق الأوسط، وإن كان البعض منها (في المغرب وتونس مثلا) أسس لخدمات العملاء في أوروبا.

بالرغم من الاغراء الكبير للشركات الكبرى بأن تنقل عملياتها للشرق الأوسط، بحسب انخفاض التكلفة، إلا أن المهارات التقنية البشرية نوعاً وكماً تبقى محدودة جدا، وهذا عائد طبعا لهشاشة المنظومة التعليمية ورداءتها والتي كثر الحديث عنها. ولقد كان لافتا جدا ظهور التقييم الجديد الصادر من شركة أى. تي. كيرنيز عن أهم البلدان المميزة لتكون موقعا لهذه النوعية من الخدمات المذكورة. واحتلت الهند كما كان متوقعا المركز الأول وتلتها الصين، وهذا الأمر كان متوقعا، أما ما كان مفاجئا، وجود مصر في المركز الثالث عشر والأردن في المركز الرابع عشر، وهما الدولتان العربيتان الوحيدتان في هذا التقييم.

لفترة غير بسيطة كانت المنطقة العربية «مشاهدا مذهولا» يتابع تطورات الاقتصاد المعولم الجديد، كانت تصيبهم الصدمة، ولكنهم كانوا عاجزين عن أن يكونوا جزءا حيويا من هذا الحراك المهم، وقد تكون هذه الامثلة البارزة والواعدة جزءا مهما من تغيير الصورة الذهنية المطلوبة، وزرع الأمل لغدٍ أفضل ومنطقة لم تعد تعرف مؤخرا إلا الخراب وأخباره، ولكن يبقى التحدي الأكبر، هو ضرورة تحويل هذه الحالة من حالة خاصة مفاجئة الى عامة مستدامة.

[email protected]