«عروبة» الرهان على إيران

TT

كان ياما كان، في قديم الزمان، دولة شرق اوسطية استأثرت بلقب «قلب العروبة النابض»... في وقت كانت العروبة تعاني فيه من حالة «العين بصيرة واليد قصيرة»، وهي الحالة التي اتاحت لسورية طرح شعارات قومية طموحة، رغم انها كانت أعجز من ان تطالها «اليد القصيرة» في دمشق.

ولكن الشعارات الطموحة والإنجازات المحدودة أصبحت عقدة سورية منذ معركة ميسلون غير المتكافئة مع جيش الانتداب الفرنسي عام 1920، الى ضم الاقضية الاربعة الى لبنان، في العام نفسه، الى سلخ لواء الاسكندرون وضمه الى تركيا عام 1939، الى خسارة هضبة الجولان عام 1967، إلى الانسحاب العسكري السريع من لبنان عام 2005... وقد يكون اصرار الدبلوماسية السورية على التذكير بدورها «المحوري» في الشرق الاوسط، في كل تصريح او بيان يصدر بمناسبة كل زيارة لأي مسؤول أجنبي لدمشق، المتنفس المتاح حاليا لهذه العقدة.

لا جدال في أن لواء الاسكندرون وهضبة الجولان قضيتان قوميتان عربيتان بمقدار ما هما سوريتان.

ولكن تصرف الدبلوماسية السورية في عهد الاسد الابن، يوحي بان شغلها الشاغل لم يعد استعادة «اللواء السليب» والهضبة المحتلة، بقدر ما هو «تعويض» خسارتهما بفرض نفوذ سوري في لبنان والعراق... ليس من موقع الحفاظ على عروبة البلدين، بل من موقع الحرص على الايحاء باستمرارية الدور المحوري السوري في الشرق الاوسط، رغم انكفاء هذا الدور الى مرتبة التبعية للأجندة الايرانية في المنطقة.

في هذه الخانة، على الارجح، يمكن ادراج حملة نائب الرئيس السوري، فاروق الشرع، على دور السعودية في الشرق الاوسط، فالنهج «الفارسي» المتنامي للدبلوماسية السورية، سواء في لبنان أم العراق، أصبح يتناقض حكما مع الدور العربي «المحوري» للمملكة، إن لم يكن يمهد لدفع المنطقة نحو مواجهة فارسية ـ عربية قد يكون التوتر السني ـ الشيعي الراهن مقدمتها «الايديولوجية».

بالنسبة للعراق لم يعد خافيا ان دور الدبلوماسية السورية بات تطبيق المقولة القائلة «ان لا حرب (مع اسرائيل) بلا مصر ولا سلام بلا سورية»، في إطار جديد ـ أي لا استقرار في العراق بلا سورية ولا حرب (أهلية) بلا ايران.

أما بالنسبة للبنان فقد يؤكد إقدام فاروق الشرع على طرح الخلاف السوري مع الدور السعودي في لبنان على العلن ـ رغم انه يتفاعل ضمنا منذ اغتيال رفيق الحريري عام 2005 ـ صدقية ما ذكر عن إعادة طهران تكليف دمشق بالملف اللبناني، في أعقاب زيارة الرئيس الايراني، أحمدي نجاد، الاخيرة الى العاصمة السورية.

الا ان تفجير الخلاف مع السعودية عشية الاستحقاق اللبناني المصيري المتمثل بانتخاب رئيس جديد للبلاد، لا يوحي بضيق صدر دمشق بتعثر مساعي حلفائها لإعادة نفوذها الى السلطة، بقدر ما يعكس تخوفها من خسارة معركة الرئاسة الأولى الداهمة.

ولكن المفارقة في حسابات هذه الخسارة المتوقعة، هي مسؤولية دمشق نفسها في التسبب بها، فـ«الشلل المؤسساتي» الذي فرضته توجيهاتها لحلفائها في لبنان، سواء لجهة سحب وزرائهم من حكومة فؤاد السنيورة أم لجهة إقفال المجلس النيابي في وجه السلطة التشريعية أم لجهة إفشال الوساطة العربية، كان له الدور الاول في عرقلة العودة التسللية للنفوذ السوري الى السلطة في بيروت.

وإذا صحت تسريبات الدبلوماسية الاميركية عن معارضتها انتخاب رئيس لبناني يكون «وثيق الصلة» بحزب الله ، ومتقبلا لإعادة النفوذين السوري

والايراني الى لبنان، يمكن الاستنتاج بان رهانات دمشق اللبنانية في حلفها مع إيران مرشحة لان تفرز عكس ما تراهن عليه ـ اي ان خسارة الولايات المتحدة في العراق لن تؤدي الى خسارة أميركية ثانية في لبنان، بل بالعكس، الى «تعويض» الخسارة العراقية بقيام نظام ديمقراطي في لبنان... غربي التوجه والهوى.