إدارة بوش.. والحرس الثوري الإيراني

TT

لمدة ربع قرن ظل النظام الذي اسسه الخميني يسمى «نظام الملالي»، وهو نظام ثيوقراطي تهيمن عليه مؤسسة رجال الدين الشيعة. غير أن اولئك المطلعين على الوضع الايراني يعرفون ان أغلبية رجال الدين الشيعة لم يتحولوا الى الخمينية ولم يدعموا الجمهورية الاسلامية. ففي السنوات القليلة الماضية وخصوصا منذ انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا عام 2005 فقد رجال الدين الذين تحولوا الى الخمينية بعض امتيازاتهم السلطوية.

وفي الوقت الحالي يمكن القول ان القوة المهيمنة داخل المؤسسة الحاكمة في طهران هي فيلق الحرس الثوري الاسلامي. وربما يكون هذا أحد الأسباب التي تجعل ادارة بوش تفكر جديا بامكانية اعتبار الحرس الثوري «منظمة ارهابية».

وإذا ما كان لهذا ان يحدث فان الولايات المتحدة ستعتبر القوة الرئيسية التي تضمن بقاء الجمهورية الاسلامية قوة «ارهابية».

غير أن المشكلة هي ان الحرس الثوري ليس كتلة متناغمة، وان اعتباره كله «ارهابيا» قد يجعل من الصعب التوصل الى صفقات مع أجزاء منه اذا ما توفرت فرصة.

ويجب على كل تحليل للحرس الثوري ان يأخذ بالحسبان عددا من الحقائق.

فالحرس الثوري، أولا، ليس جيشا ثوريا بالمعنى الذي كانت عليه جبهة التحرير الوطني في الجزائر والفايتكونغ في فيتنام. وقد ولد الاثنان خلال ما يسمى الحروب الثورية التي اصبحا فيها لاعبين أساسيين.

فقد تأسس الحرس الثوري بعد نجاح الثورة الخمينية. وتتسم هذه الحقيقة بأهمية حاسمة.

وأولئك الذين انضموا الى الحرس الثوري جاءوا من جميع انماط الخلفيات. والأغلبية بينهم كانوا انتهازيين أرادوا أن يستثمروا الفرصة. وبالتحاقه بالحرس الثوري لن يحصل الفرد فقط على الامتيازات الثورية وغالبا على اساس زائف، وإنما يضمن أيضا وظيفة ذات اجر عال، في وقت يجعل فيه الانهيار الاقتصادي الوظائف نادرة.

وقد مكن الالتحاق بالحرس الثوري الكثيرين ممن تعاونوا مع النظام السياسي من اعادة كتابة سيرتهم المهنية والحصول على «النقاء الثوري» الجديد اذا جاز التعبير. وقد ضمنت العضوية في الحرس الثوري امتيازات الحصول على السلع والخدمات النادرة من اجهزة التلفزيون الملونة الى المساكن المعقولة.

وبمرور السنين قدم الانتماء الى الحرس الثوري سبيلا سريعا للنجاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وفي الوقت الحالي نجد ان ما يزيد على نصف وزراء حكومة احمدي نجاد هم أعضاء في الحرس الثوري كما هو حال الرئيس نفسه. ويحتل أعضاء الحرس الثوري ما يقرب من ثلث مقاعد المجلس، وهو البرلمان البديل الذي اسسه الخميني عام 1979. وهناك 20 من بين 30 من حكام المحافظات أعضاء في الحرس الثوري.

كما ان اعضاء الحرس الثوري بدأوا الاستيلاء على المناصب الأساسية في السلك الدبلوماسي. وفي الوقت الحالي، وللمرة الأولى، فان سفراء الجمهورية الاسلامية في مواقع هامة مثل الأمم المتحدة والسفارات في 12 عاصمة أوروبية أخرى هم من أعضاء الحرس الثوري.

وربما كان الشيء الأكثر اهمية ان الحرس الثوري يتصرف كمؤسسة تجارية ذات مصالح في الكثير من قطاعات الاقتصاد. ووفق بعض الحسابات يعتبر الحرس الثوري ثالث اكبر شركة بعد شركة النفط الوطنية الايرانية ومؤسسة الامام الرضا في مشهد.

وفي عام 2004 قدرت دراسة لجامعة طهران الايرادات السنوية لمشاريع الحرس الثوري بقيمة 12 مليار دولار. ومن المحتمل ان تزيد صفقة الخصخصة التي اعدها أحمدي نجاد من نفوذ الحرس الثوري الاقتصادي. ومن المحتمل أن تنتهي معظم شركات القطاع العام المهيئة لغرض الخصخصة بقيمة اجمالية بلغت 18 مليار دولار الى أيدي الحرس الثوري او قادته.

كما يسيطر الحرس الثوري على مشاريع مربحة في اطار «تصدير الثورة» تقدر قيمتها بـ 1.2 مليار دولار سنويا. وهو يمول فروع حركة حزب الله في ما لا يقل عن 20 بلدا، بما في ذلك بعض منها في أوروبا، ويقدم أموالا وأسلحة وتدريبا للجماعات المتطرفة ذات الخلفيات اليسارية. وفي السنوات الأخيرة برز كداعم رئيسي للجناح المسلح لحركة حماس الفلسطينية والجماعات الشيعية والسنية في العراق وأفغانستان وباكستان.

أنفقت إيران حوالي 20 مليار دولار في لبنان منذ عام 1983. وفي غالبية الحالات تكون سيطرة «حزب الله» اللبناني اسمية. إلا ان إلقاء نظرة من قرب تكشف ان الحرس الثوري الايراني هو الذي يسيطر على الشركات اللبنانية التي تعمل كواجهة لإيران.

جوهرة تاج امبراطورية الأعمال التجارية التي يديرها الحرس الثوري الايراني تتمثل في البرنامج النووي الايراني الذي كلف البلاد حتى الآن حوالي 10 مليارات دولار. ويمثل هذه البرنامج جزءا من برنامج أكبر لتصنيع وشراء السلاح يساوي حوالي 11 بالمائة من ميزانية البلاد السنوية.

يمكن القول ان الحرس الثوري الايراني يعتبر مؤسسة ذات امتيازات اكثر منه شركة يديرها مجلس إدارة. لذا، ثمة حاجة الى نهج اكثر تطورا للتعامل مع الحرس الثوري.

ينقسم الحرس الثوري الايراني الى خمس قيادات كل منها له صلة مباشرة بـ«المرشد الأعلى» علي خامنئي، الذي هو اصلا رجل دين من المرتبة الوسطى من اوائل الذين عملوا في الحرس الثوري في عقد الثمانينات من القرن الماضي. ولتقليل خطر حدوث انقلاب لا يسمح لكبار ضباط الحرس الثوري بالحديث مع بعضهم بعضا حول «القضايا الحساسة».

اثنان من هذه القيادات الخمس يمكن اعتبارها «ارهابية» طبقا لتعريف وزارة الخارجية الاميركية، وهو التعريف الذي رفضته الجمهورية الاسلامية. قيادة قوات «القدس»، على سبيل المثال، مسؤولة عن تصدير الثورة. وبالإضافة الى «حماس» و«حزب الله» تدير هذه القيادة عددا من الجماعات المتطرفة في مختلف الدول.

القيادة الثانية مسؤولة عن القمع الداخلي، وهي تعمل من خلال عدة قوات مساعدة، بما في ذلك «ألوية كربلاء» التي أوكلت لها مسؤولية سحق الاحتجاجات الشعبية. وينظر كثير من الايرانيين الى هذه القوى باعتبارها أدوات ووسائل للإرهاب.

يصل عدد جهاز ضباط الحرس الثوري الايراني، بمن في ذلك المتقاعدون، الى حوالي 55000 فرد، وهؤلاء منقسمون إزاء السياسات الخارجية والداخلية للبلاد، شأنهم شأن بقية أفراد المجتمع.

بعض القادة السابقين للحرس الثوري الذين لا يتفقون وأهداف الجمهورية الاسلامية انشقوا مسبقا وتوجهوا الى الولايات المتحدة، فيما آثر مئات آخرون الانزواء في المنافي والابتعاد عن دائرة الضوء، إذ يعملون في الغالب كرجال أعمال في دول مثل الامارات العربية المتحدة وماليزيا وتركيا. جرى ايضا عزل عدد غير معروف من ضباط الحرس الثوري بسبب رفضهم قتل متظاهرين مناوئين للنظام في مدن ايرانية.

ويمكن بصورة عامة اعتبار الكثير من قادة الحرس الثوري البارزين رجال أعمال أولا ثم قادة عسكريين ثانيا. وعادة ما يكون لدى هؤلاء أقرباء في اوروبا او كندا يهتمون بمصالحهم التجارية ويحتفظون بقناة مفتوحة مع الشياطين الكبار والصغار في حال سقوط النظام.

هناك بضعة قادة في الحرس الثوري، بمن في ذلك ضباط من رتب كبيرة، لا يسعون الى الدخول في نزاع عسكري رئيسي مع الولايات المتحدة خوفا من انهيار امبراطورياتهم التجارية.

ليس هناك ضمان، في حال نشوب حرب رئيسية، لإبداء نفس الدرجة من الالتزام تجاه الجمهورية الاسلامية. ربما يكون قادة الحرس الثوري على استعداد لقتل الإيرانيين العزل او استئجار لبنانيين او فلسطينيين ومتطرفين عراقيين لقتل الآخرين. إلا انه ليس من المؤكد ما اذا سيكون هؤلاء على استعداد للموت في سبيل تمجيد احمدي نجاد.

هذه المخاوف أقنعت خامنئي بإعلان «لجنة التخطيط الدفاعي» العام الماضي، وهي لجنة يديرها مكتب خامنئي.

ويبقى القول ان الوصف التعميمي للحرس الثوري الايراني، بدلا عن استهداف عناصر محددة داخله ترتكب انتهاكات بحق الشعب الايراني وآخرين غيرهم في المنطقة، من المحتمل ان يأتي بنتائج عكسية. إذ من المحتمل ان يؤدي ذلك الى توحيد الحرس الثوري الذي توجد بداخله آراء ووجهات نظر متباينة تجاه بعض القضايا، كما ان هذا النهج لا يترك بابا لخروج أي من أعضاء الحرس الثوري من الوضع الخطير الذي ساعدوا في ايجاده.