الصين.. ونموذج التصدير الاستبدادي

TT

من كان سيفكر بأن طعام الحيوانات الأليفة المعلب وألعاب الأطفال، يمكن أن تهدد بالكشف عن نموذج التصدير الاستبدادي للنمو الصيني، الذي كان يقصد من الهجوم الوحشي على ميدان تيانانمين عام 1989 توفير الحماية له ؟ وباعتباره زعيما شيوعيا تعرض الى التطهير سابقا، وهو من بلد هائل فقير شلته فوضى الثورة الثقافية، كان بوسع دنغ هسياو بنغ ان يتخيل كيف ان الاضطراب السياسي يمكن أن يخرج طريق الصين المستقر نحو الرخاء عن مساره. ولكن من المؤكد أن ذلك لم يدخل الى ذهنه، وليس أذهان رفاقه اللاحقين، ان المستهلك الأميركي سيصبح يوما ما وكيلا للتغيير الثوري في الصين. وباسم السيادة ربما تجنب زعماء الصين عواقب قمع مواطنيهم، بينما يتجاهلون فساد من يتسرعون في الثراء، وهو الفساد الذي ازدهر في ظل غياب حكم القانون. ولكن بفضل العولمة استورد اعتماد تصدير الصين على السوق الأميركية المتطلبات السياسية للمستهلك الأميركي الى المعادلة. فالأميركيون لن يترددوا لحظة واحدة في تغيير ولائهم من المنتجات الصينية التي يمكن أن تسمم اطفالهم أو تقتل حيواناتهم الأليفة.

وعلى خلاف جماعات حقوق الانسان والعمل المنظم لا يتعين على المستهلكين التعبئة من اجل التأثير على التغيير. ولا يتعين عليهم سوى عدم التحرك عبر عدم الانفاق. ولدى وكلاء مراهنتهم نفوذ اكبر مما لدى منظمة العفو الدولية في تعزيز التغيير في الصين. ومما يثير المفارقة ان معاملة الصين باعتبارها دولة ذات أفضلية (ودخولها لاحقا الى منظمة التجارة العالمية) التي كانت تعارضها معظم جماعات حقوق الانسان في الماضي اصبحت حصان طروادة. ومستقبل الصين مرتبط الان بالمستهلك الأميركي بحيث انها سترغم على كبح جماح الفساد وتقوية الضوابط عبر حكم القانون او مواجهة المصاعب في نموها المعتمد على التصدير. وما من عقوبة اكثر تدميرا من خيار المستهلك.

ومن أجل ان يثق المستهلكون بالمنتجات الصينية يجب أن يثقوا بالضوابط. ولا يمكن الثقة بالضوابط بدون حكم القانون الذي لا يتساهل مع الرشوة والاحتيال والمحسوبية.

تحتاج الصين بالكاد الى البدء من نقطة الصفر كي تعالج هذه القضية. فقبل تقاعده نتيجة الصراع على السلطة مع رئيس الوزراء في ذلك الوقت، لي بن، والرئيس وزعيم الحزب في ذلك الوقت جيانغ زيمين، عام 1997، اجريت لقاء نادرا مع كياو شي، الذي كان في ذلك الوقت الشخص الثالث في المكتب السياسي للحزب ورئيس مجلس الشعب الوطني. وبوصفه رئيسا سابقا للاستخبارات، كان كياو شي مثار مقارنة بيوري اندروبوف، الاصلاحي والرئيس السابق لجهاز «كي جي بي» الذي يعتبر ايضا معلما لغورباتشوف.

وفيما ركز منافسوه اهتمامهم على النمو الاقتصادي والسيطرة على الحزب، انصب اهتمام كياو شي على الحاجة الى «حكم القانون وتعزيز النظام القانوني». وكان مصرا عندما التقينا داخل واحدة من حجرات «قاعة الشعب» على «ضرورة وقف أي انتهاك للقانون من قبل المسؤولين عن تطبيقه او تجاوز القوانين من جانب السلطات الادارية او عرقلة العدالة». يعتقد كياو شي انه «طبقا للدستور، يجب ان تتبع السلطة بكاملها في الدولة للشعب، وان يمارس الشعب سلطة الدولة من خلال مؤتمر الشعب الوطني والمؤتمرات المحلية على مختلف المستويات. ولضمان ممارسة الشعب للسلطة بنفسه يجب ان تكون هذه السلطات في يده ويجب تعزيز هذه المؤسسات والسماح لها بلعب دورها كاملا».

لدى سؤالي له حول ما اذا كان الحزب فوق القانون أم أن القانون فوق الحزب، أجابني بلا أدنى تردد بأنه «ليس هناك حق لأي منظمة او فرد بتجاوز الدستور أو القانون». ولاحظت ايضا انه لم يذكر «الحزب الشيوعي» مطلقا خلال حديثنا الى ان ذكرت اسمه. ربما يشعر زعماء بكين اليوم بالحاجة الى العودة الى روح أجندة كياو شي غداة الأزمة الحالية حول ثقة المستهلك في المنتجات الصينية. أي مستهلك واع لن يقبل في الغالب رد الصين حتى الآن بأنها ستحاكم أو تنفذ حكم الإعدام في بعض من كبار المسؤولين. بالطبع التزام جانب حكم القانون لا يعني الديمقراطية، لكنه خطوة كبيرة في هذا الاتجاه. سلط المعارض وي جينغ شينغ قبل سنوات الضوء على كيفية تحول اهتمام الرأي العام العالمي والرأي العام لغالبية الصينيين «من جدار الديمقراطية (حيث اعتقل وي جينغ شينغ بسبب تعليقه ملصقات) الى مراكز التسوق. والآن، خصوصا قبل الأولمبياد العام المقبل، يبدو ان الأمور في منعطف جديد.

*خدمة «غلوبال فيوبوينت»

ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»