إيران.. بين البراغماتيين والمثاليين

TT

قال الرئيس الايراني السابق ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام آية الله هاشمي رفسنجاني أخيرا ان ايران تواجه وضعا خاصا. وهذا العنوان والتفسير خلق الكثير من المشاكل.. ومن ناحية اخرى فان المتحدث باسم وزارة الخارجية ومستشار الرئيس محمود أحمدي نجاد ووزير الداخلية كان قد قال ان الوضع طبيعي وليست هناك مشكلة، وان البلاد في وضع التنمية والتقدم.

اعتقد ان هذه المناقشة الاشكالية هي معيار مناسب جدا لتمييز وضع ايران.

فلماذا يعتقد رفسنجاني ان ايران تمر بوضع صعب، وعلى النقيض من ذلك يعتقد وزراء والرئيس احمدي نجاد انه لا يوجد أي قلق بشأن الوضع الحالي لإيران؟ وما هي جذور هذه المواقف المتناقضة؟

يمكننا ان نحدد اتجاهين مهمين في ايران، الأول هو ان هناك براغماتيين، والثاني ان هناك مثاليين. ورفسنجاني شخص براغماتي، فهو يحاول دائما ان يجد أسبابا معقولة لكل مشكلة ثم يحلها، بينما المثاليون يميلون عادة الى التفكير بالأسباب الروحية. وعلى سبيل المثال فانه عندما عاد أحمدي نجاد الى ايران بعد ان ألقى محاضرة في الأمم المتحدة، وعندما التقى واحدا من ابرز رجال الدين في ايران، وهو آية الله جوادي أمولي، قال ان أحد الحاضرين في الأمم المتحدة أثناء المحاضرة ابلغه بوجود هالة ضوء كانت تحيط به عندما كان يلقي خطابه أمام الجمعية العامة، وانه هو نفسه أحس بذلك ايضا.

وقال الشاهد انه عندما بدأت بالكلمات: «بسم الله» رأيت انك محاطا بهالة ولم يتغير الوضع الا عند انتهاء الخطاب.

وقال احمدي نجاد: شعرت بذلك ايضا. شعرت فجأة بان الجو تغير هناك. ولفترة 27 الى 28 دقيقة لم ترمش عين لأحد من الزعماء. وأكد احمدي نجاد انه لا يبالغ.

وهذه عينة جلية للمثالية. وكان رد فعل آية الله جوادي عميقا، ولا يمكن نسيانه. وأبلغ احمدي نجاد ان نبينا قال: ايها المسلمون لا تخدعوا حمارا. فلماذا قال النبي ذلك الحديث؟ لأن شخصا ما كان يخدع حماره وكان ينقل رزمة فارغة، وكان الحمار يتخيل ان هناك شيئا ما في الرزمة.

ويبدو انه برواية هذه القصة ارسل آية الله جوادي رسالة تقول انه عندما قال نبينا «لا تخدعوا حمارا»، فان ذلك مرتبط بكيف أن بعض الناس حاولوا خداع شعب.

والمثال الآخر هو انه قبل المصادقة على قرارين في الأمم المتحدة بخصوص الملف النووي الايراني، فان وزير الخارجية قال: ان شاء الله لن يقر القرار في مجلس الأمن. وهذا النمط من التبرير يعتمد على المثالية الصرفة. فقد كنا نشهد ان الأمم المتحدة صادقت على القرار. ولم يكن ذلك القرار ضد ارادة الله. كان قرارا اعتياديا جدا مع مقدماته. ويعتقد بعض الناس ممن يرون الطريقة التي يتصرف بها المثاليون، ان الوضع هادئ وجيد.

ويرى المثاليون الظاهرة كما يتصورون، وليس كما هي. وأتذكر انه عندما كنت مساعدا للرئيس رفسنجاني، فان زعيم رومانيا، شاوشيسكو، زار ايران. واتصل به أحد اصدقائه المقربين وقال ان الوضع في رومانيا معقد جدا وطلب منه عدم العودة الى رومانيا. كان شاوشيسكو يضحك قائلا ان البلد في قبضتي. وكان قد خلق عالما خاصا لنفسه. كان يعيش في عالمه الخاص وليس في العالم الواقعي.

وكان آخر زعيم خسر بسبب مثاليته هو صدام. وأتذكر انه قبل احتلال العراق كنت في مهرجان الجنادرية. وفي الرياض كان الأمير عبد الله يحاضر أمام ضيوف الجنادرية. وخلال خطابه قال: كنت قد اقترحت حلا لأزمة العراق، وأبلغت صدام انه اذا استمررت بهذه الطريقة فانك ستشهد اضعاف العراق كبلد وشعب وستدمر نفسك. ولم يول صدام أي اهتمام لنصائح الملك عبد الله والشيخ زايد. وأسوأ انواع العمى هو العمى بسبب السلطة المطلقة. كان صدام شخصا مثاليا ثم غيره الواقع وقتله. ويعتبر جورج بوش الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأميركية، مثاليا آخر. فهو يعتقد انه يتمكن من تغيير العالم، ولكن أفعاله أدت الى تغير وجه الأميركيين في العالم بدلا من ذلك.

وقد كتب ايمانويل تود كتابا ممتازا حول انهيار النظام الأميركي. واعتقدت أولا ان ذلك الكتاب كتاب مثالي، ولكنني تذكرت انه مؤلف «السقوط الأخير، مقالة حول تفكيك المجال السوفياتي». وقد نشر ذلك الكتاب عام 1979. وفي ذلك الكتاب يحلل انهيار الاتحاد السوفياتي افضل من أي شخص آخر. وقال انه «بعد سنوات من ادراك الولايات المتحدة، باعتبارها تحل المشاكل، اصبحت الولايات المتحدة نفسها مشكلة بالنسبة لبقية دول العالم».

وأضاف ان الشيء الأكثر اثارة للقلق والانزعاج بشأن الوضع الراهن هو الغياب الأساسي لأي تفسير مقنع لسلوك اميركا، وتساءل لماذا لا تتصرف القوى العظمى الوحيدة في الوقت الحالي بالطريقة الحسنة والمعقولة، التي وضعتها موضع التطبيق في أعقاب الحرب العالمية الثانية؟ لماذا تحولت الى قوة تثير عدم الاستقرار؟

أعتقد أن السبب واضح، فجوهر الأزمة هو المثالية، وقد كتب باراك أوباما مقالة تحت عنوان «تجديد الزعامة الأميركية»، وقد نشرت في مجلة «الشؤون الأجنبية»، وفي تلك المقالة يقول «لا يمكننا أن نفرض حلا عسكريا لحرب اهلية. وأفضل فرصة لنا هي ان نغادر العراق». وهذه خطوة جديدة باتجاه المثالية. ومن سوء الحظ ان كل الحروب بين الدول والشعوب مرتبطة بالمثالية الصرفة.

وتبدو المثالية أحيانا كهالة تحيط بالرئيس أحمدي نجاد، وفي احيان اخرى تبدو بصيغة النزعة العسكرية الأميركية.

واعتمادا على المثالية يعتبر الوضع الحالي في ايران خاصا، كما قال رفسنجاني. وتحتاج ايران الى حالة حكيمة لحل المشكلات الوطنية والإقليمية.

ويقول المثاليون: كونوا هادئين، فكل شيء على ما يرام. والمسافة بين المثالية والواقعية هي الفجوة العميقة بين الهالة والدليل.