الأبراج من أعاليها ومن جذورها

TT

انسحب الاميركيون من الصومال بعد قليل من سحل وإحراق طيار اميركي في شوارع موغاديشو. وتركوا باناما وغرينادا بعد تسجيل انتصار شبه سينمائي على عدوين صغيرين. ولكن كما دخل صدام حسين الكويت من دون أن يرسم خطة الانسحاب دخلوا العراق وهم يعتقدون انهم باقون الى الأبد. العراق ليس الصومال ولا باناما.

لذلك تحاول اميركا متأخرة رسم خطة للخروج. وكان الدخول سهلا عبر شراء بعض مفاتيح الحرس الجمهوري الشهير لكن أثمان الانسحاب الآن ليست في مقدور احد: لا اميركا، ولا العراقيون الذين تحالفوا معها، ولا ميزان القوى في المنطقة عموماً وفي الخليج خصوصاً. وتحاول اميركا ان ترتب امورها مع اعدائها وخصومها، غير مدركة انه للمرة الاولى في تاريخ المنطقة الحديث تقدم الصراع معها على الصراع مع اسرائيل. وإذ تبدو الحرب مع اسرائيل قائمة فوق رقعة محدودة، تزداد الحرب مع اميركا بلا حد او حدود. وتفتح واشنطن مع سورية وايران دفاتر العراق ولا شيء إلا العراق، فتواجه بمجموعة دفاتر واوراق من فلسطين الى لبنان الى مسمى الشرق الاوسط، صغيرا كان أم كبيرا.

كان الشرق الاوسط ولا يزال وسوف يبقى ربما الى قرون، «ملفوفة» القضايا المعقدة في سياسات العالم. كل ورقة تفتح خلفها ورقة مغلقة. واميركا اليوم ليست سوى فريق في صراعات المنطقة الكامنة والمعلنة. والمقارنة بـ«الحرب الباردة» خطأ تصويري، لأن تلك كانت حرباً بين فريقين أما اليوم فثمة حروب متناثرة من افغانستان الى لبنان، يحاول كل فريق فيها ان يرسم مستقبله وشرق أوسطه، واما الشرق الاوسط الذي تحدث عنه كولن باول أولا ثم خليفته كوندوليسا رايس فقد اصبح مربعاً ضائعاً او تائهاً بين متاهة المربعات في لعبة الشطرنج.

عندما قال جاك شيراك إن اميركا فتحت ابواب الجحيم في العراق، كان محدود الافق مثل الذين فتحوا تلك الابواب. فلو كان في الادارة الاميركية من هو قادر على قراءة اللغة المسمارية التي كتب بها تاريخ الشرق الاوسط وحفرت بها جغرافيته السياسية، لأدرك ان الرد على 11 ايلول وإحراق الأبراج من أعاليها لا يكون بإحراق الابراج من جذورها.