المبادئ

TT

ما أكثر الذين يتحدثون عن المبادئ، والمبادئ منهم براء.

وأصعب موقف أن تضطر لسماع شخص يحدثك ويحاضر عليك، بل ويعلمك كيف تكون المبادئ، وأنت تعلم، وهو يعلم أنك تعلم أي مسافة شاسعة بين أفعاله وبين أصغر مبدأ من المبادئ (!!)، ومع ذلك تبلعها وتسمع وتسكت، وتتمنى لو انك ضربت نفسك على خدها المايل المصغي لسخافة الكلام وأكاذيبه.

حقاً إن الإنسان في بعض الأحيان في حاجة ماسة وأكيدة، بل وواجبة لضرب نفسه، جزاء لها على ما اقترفته من خنوع وسلبية، رغم أن البعض يقول عن ذلك إنه مجاملة، أو على أسلوب (اسمع وطنش)، وما أكثر ما سمعت وطنشت، وحزنت، وغضبت، وتمنيت لو أن الأرض ابتلعتني وما سمعت أذناي (الرخيصتان) بعض كلام المتحذلقين (الشارين والبائعين) للمبادئ في كل سوق نخاسة.

ولاختبار المبادئ أقامت إحدى المجلات في الخارج، مسابقة لأكثر المواطنين في البلدة التي تصدر فيها، أكثرهم تمسكا بالمبادئ والمثل العليا، وقد تلقت من ضمن ما تلقت هذه الرسالة من أحد المتسابقين يقول فيها: إنني لا أدخن ولا أشرب ولا أقامر، وأنا مخلص لزوجتي، لا انظر إلى أي امرأة أخرى، أقوم بأعمال شاقة في هدوء وطاعة، لا اذهب قط إلى السينما والمسرح، وليس لي تعامل مع البنوك ولا مشاكل معها، ولا خصومات لي مع زملائي، بل إنني منعزل عنهم، وآوي إلى فراشي مبكراً واستيقظ مع طلوع الفجر، ولقد ظللت على هذا المنوال ثلاث سنوات كاملة، ولكن انتظروا حتى الربيع القادم عندما يطلق سراحي من هذا المكان ـ انتهى ـ والمكان الذي يقصده بالطبع هو السجن ـ ولو كنت أنا من ضمن لجنة التحكيم لأعطيته جائزة (الصدق).

هناك مبدأ يقول: سيتضاءل الشر كثيراً في العالم، إذا كف الناس على ستره بلباس الخير.

هل فهمتم فحوى هذا المبدأ (الخطير)؟! أنا فهمته، لهذا أنا (خائف).

كما انه يوجد في متحف (اللوفر) بباريس لوحة بركانية سوداء نقشت عليها كلمات قالها (حمورابي) قبل أربعة آلاف سنة، وفيها يدعو إلى منع القوي من استغلال الضعيف، وإعطاء الفرصة لكل إنسان أن يعيش بسلام.

وليس معنى أن يعيش الإنسان بسلام، أن نتركه ينام في سكينة، ولكن نعطيه الفرصة تلو الفرصة، لكي يؤكد وجوده (كإنسان) له كامل الحق في أن يأخذ حقه، لا أن يؤخذ حقه، بدونما تفضل أو خداع أو فلسفة.

المبادئ لا تحكى ولكنها تعاش، ومن أراد أن يعلم الناس المبادئ، عليه أن يعلم نفسه بأن يكف عن أذاهم.

[email protected]