موسم السباق العربي إلى اليونسكو

TT

يبدو أن مؤشرات السباق العربي إلى وظيفة المدير العام لليونسكو قد بدأت تترى، في ما يشكل منافسة صامتة بين العديد من الدول المترشحة، خارج آليات وضوابط التنسيق الجماعي المطلوب.

يذكر المشهد بما حدث خلال الحملة المنصرمة عام 1999، التي تقدم لها العرب بمرشحين مرموقين، فوتت عليهم المنافسة فرصة الظفر بالمسؤولية الثقافية الأسمى عالميا.

سألت مسؤولة أوروبية عليا في اليونسكو عام 2001: لماذا لم يتمكن العرب من اقتناص الوظيفة المنشودة التي منحت لشخصية يابانية مغمورة فكريا وعلميا، لا تذكر بأي من الشخصيات الثقافية المتميزة التي تولت الإشراف على المنظمة خلال نصف القرن الأخير، فهل العائق يعود للمرشحين العرب أم لطبيعة الفضاء الذي يمثلون.

ردت علي محاورتي بالقول: لا شك أن المرشحين العرب الرئيسيين (السعودي والمصري) يستحقان هذا المنصب المرموق بحكم خلفيتهما الثقافية وتجربتهما العملية، وليس من الصحيح أن اليابان اشترت أصوات البلدان الافريقية الفقيرة، وإنما كان الاخفاق متمحورا في نقطتين أساسيتين، هما من جهة عجز العرب عن الظهور ككتلة منسجمة، متجانسة، وإهمال المجموعة العربية في اليونسكو للفضاءات الإقليمية الأخرى، خصوصا الافريقية والآسيوية التي تشكل مركز ثقل مهم في المؤتمر العام للمنظمة ومجلسها التنفيذي.

ثم أضافت قائلة: إنكم أيها العرب تتصورون أن العالم كله هو أوروبا وتختزلون أوروبا ذاتها في حكوماتها، التي ليس لها سوى جزء محدود من صنع القرار، خصوصا في الملفات الثقافية التي تتقاطع مع الحقل الثقافي العام الذي له استقلاليته وتميزه.

فهل حاول مرشحوكم مخاطبة الرأي العام الثقافي العالمي والوصول إليه؟ وهل تدرون أن تأثير الفائزين بجائزة نوبل وكبار الروائيين والمكتشفين العلميين أهم من تأثير شيراك وبلير في القرار الثقافي عندنا؟ ثم إنكم أيها العرب عندكم أزمة صورة، لا بد أن تعالجوها، أدري بحكم مسؤولياتي واطلاعي أنكم مظلومون فيها، لكنها حقيقة قائمة، لا يمكن إنكارها، تحرمكم من حقكم المشروع في الوصول إلى هذا الكرسي الذي عز عليكم نيله.

لا يبدو أننا تعلمنا شيئا من هذا الدرس، فالبلدان العربية قررت دخول الميدان مفككة، وبدأ كل منها حملته الصامتة داخل هياكل المنظمة وخارجها، ولم يطرح الموضوع حسب علمي على مجالس جامعة الدول العربية، ولا أظنه مطروحا على جدول أعمال القمة المرتقبة.

ولا شك أن بعض المستجدات الأخيرة، ستعقد الترشح العربي، نكتفي بالإشارة إلى مؤشرين منها:

الآثار السلبية المتواصلة لزلزال 11 سبتمبر 2001 الذي ضاعف أزمة الصورة العربية وولد ردة فعل حادة ضد النسق القيمي العربي الاسلامي في الدوائر الفكرية والاعلامية الغربية وفي المخيال الثقافي العام. ولم تفلح ندوات الحوار الثقافي ولا حملات الدبلوماسية والعلاقات العامة في امتصاص الصدمة الهائلة التي خلفها هذا الحدث المأساوي.

عودة الولايات المتحدة الأمريكية للمنظمة بعد عقدين من الانسحاب الذي كان احتجاجا على مواقف اليونسكو من قضايا الجنوب، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية أيام الكاتب والمؤرخ السنغالي المرموق آمدو مختار أمبو الذي اتهم بالتحيز لصالح العرب والمسلمين، وكان موضوع حملة تشهير أمريكية – إسرائيلية عاصفة.

والمعروف أن المنظمة شهدت أكثر عهودها إشراقا وازدهارا في عهد أمبو، الذي فتح بصورة مبكرة ورشتي النظام الاعلامي وضرورة مشاركة الجنوب في صناعة وتداول المعلومة، والحوار الثقافي بين الفضاءات الحضارية المتباينة.

فلا يتوقع اليوم من الولايات المتحدة التحمس لمرشح عربي، خصوصا أن تجربتها المريرة مع الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس غالي لا تزال قريبة، لاصقة في الأذهان. ينضاف إلى هذين العاملين الجديدين، الوضع البنيوي للثقافة العربية الذي يتميز بالجمود وهشاشة الإبداع وطغيان القمع الفكري وضعف الإنتاج ومحدودية التواصل مع الثقافات الأخرى.

والأدهى من ذلك كله، ان الفاعلية الدبلوماسية العربية تراجعت بصفة جذرية في السنوات الأخيرة، سواء تعلق الأمر بالدوائر الإقليمية أو الدولية.

ففي فترة الحرب الباردة، كانت المجموعة العربية مكونا رئيسا من مكونات حركة عدم الانحياز، التي تمثل الكتلة الجنوبية الحية في النظام الدولي. ومن خلال هذا الدور المحوري، عززت موقعها في الساحة العالمية للدفاع عن القضايا القومية الكبرى، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

كما أن المنظومة الاسلامية التي برزت نهاية الستينات بدت عند تشكيلها قادرة على توفير إطار استراتيجي واسع للحل الدبلوماسي العربي، الا انها كانت دون الطموح والمقصد.

بالإضافة الى ان المنظومة الاقليمية الافريقية، التي يشكل العرب أحد مكوناتها الرئيسية لم تستثمر في الاتجاه نفسه. وما ان انتهت الحرب الباردة، حتى انهارت حالة خصوصية العلاقات العربية – الافريقية ودخلت اسرائيل على الخط المتآكل، فاستعادت نفوذها في القارة السمراء التي أهملها العرب، في فورة تفاؤلهم المفرط بالتسوية السلمية للصراع مع إسرائيل.

وهكذا تقف المجموعة العربية معزولة (إضافة إلى انقسامها الداخلي) في التجمعات الدولية، وفي مقدمتها منظمة اليونسكو التي يتسابق المرشحون العرب على الوصول إلى قمة سلطتها التنفيذية عام 2009.

سئل حاكم عربي لماذا عين سفيرا لدى اليونسكو لا ينتمي للوسط الثقافي، فأجاب ببعض الاستهزاء «ما هي اليونسكو أليست مجرد وكر للجواسيس».

شاعت القصة في أروقة المنظمة العتيدة، وقد علق عليها أحد موظفي اليونسكو من العرب قائلا: «إن العالم محق في حماية هذه القلعة الثقافية من الخبرات الأمنية العربية التي لا تحتاج إليها».