هاي تاليها.. يا «خوش زلمه»؟

TT

هناك قناعة تزداد رسوخا كل يوم في واشنطن بأن الوضع العراقي لم يجر وفق هوى متخذ القرار في واشنطن، وقناعة أكثر رسوخا بأن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، عاجز وفاشل في تحقيق تلك الأهداف، حتى وإن قال الرئيس بوش عن المالكي في خطابه الأربعاء الماضي بأنه «خوش زلمه» (كأقرب ترجمة لـGOOD GUY).

الوضع الأمني في العراق متدهور، ودولاب الدم لم يتوقف، والخدمات الأساسية غير متوفرة، حيث الوزارات الخدماتية تتوزعها الميليشيات، فالصحة في يد ميليشيا، والتعليم في يد أخرى، والنفط يتم تقاسمه حسب الحصص الحزبية، وهكذا.

وعليه فإن العراق الذي وعدت به إدارة بوش لم يتحقق: الأمن والاستقرار والحرية والرخاء تعد أضغاث أحلام بالنسبة للإنسان العراقي المنكوب. فالحكومة التي لا توفر الأساسيات للإنسان، والنظام الذي لا يوفر الأمن، والديمقراطية التي لا تضمن العدالة، تصبح شعارات كلام وهراء محضا. وعليه فإن تفكيرا جديا بدأ في واشنطن للبحث عن استراتيجية جديدة لتعديل مسار الأمور في بغداد. المالكي يدرك ذلك، وقد انتقد من دمشق أثناء زيارته لها الأصوات الأمريكية التي تلمح إلى تغيير المالكي، وكررعباراته المتكررة بأنه رئيس حكومة منتخبة ديمقراطيا من الشعب. ولكن أية حكومة ديمقراطية يقاطع سبعة عشر وزيرا من أصل سبعة وثلاثين فيها، جلسات مجلس الوزراء منذ شهور؟ وأي حكومة استقال نواب رئيسها، وبرلمانها لا يجتمع ويعطل في الصيف هربا من قيظ بغداد، والشعب يعيش بلا كهرباء في بلد يقبع فوق ربع احتياطي البترول في العالم؟ وأية حكومة وعدت بحل الميليشيات، فازدادت سطوة وعددا؟ وأية حكومة وعدت بالتحقيق في جرائم وزير الداخلية السابق بيان صولاغ ـ الذي أصبح وزيرا حاليا للمالية ـ ولم تخرج نتائج للتحقيق بعد؟ وأية حكومة لم تحقق الوفاق الوطني وإشراك جميع القوى المختلفة؟

قد يجادل من يجادل: لا يهم أمريكا مدى الديمقراطية في العراق، ما دام النظام يراعي مصالحها. لكن حكومة المالكي ليست في صف الولايات المتحدة قدر ما هي قريبة من إيران، وهذا ما يردده بعض جنرالات الجيش الأمريكي علنا هذه الأيام: نسفح دمنا، لتزداد إيران سطوة ونفوذا من أجل حكومة لا تسيطر على شيء خارج المنطقة الخضراء، ولا تمتلك ميليشيا، فالميليشيا الوحيدة التي يمتلكها المالكي هي جيشنا الأمريكي وقوات التحالف، وهؤلاء تسيل دماؤهم من أجل إيران، وبقاء المالكي.

ولعل الطرف الآخر المستفيد من بقاء المالكي هم الصداميون والتكفيريون، الذين يرون في حكومة المالكي تجسيدا لفشل الاحتلال وتكريسا للطائفية الدموية. فما «بني على باطل، يأتي بالباطل حتما»، وحكومة المالكي وانتخابه كان طائفيا حتى النخاع، ومن يظن أن حكم الطائفة الأخرى هو الحل واهم، فالطائفية تجر مزيدا من الطائفية، ولا تحقق التعايش بأية حال.

لقد جاءت المطالبة بتسليم رغد صدام حسين للحكومة العراقية كواحد من مؤشرات كثيرة على عجز الحكومة الذريع. ذريعة مذكرة اعتقال رغد هي الحصول على شريط تسجيل تحث فيه الإرهابيين على الاستمرار في الدمار. مفجوعة تسعى للثأر لأبيها وأخويها وعزها المفقود بشريط، «هذي آخرتها» كما يقال في الخليج؟ «وهاي تاليها» كما يقول العراقيون؟ المشكلة في العراق سببها أرملة ثكلى تندب حظها العاثر في عمان، هكذا اختزلت حكومة نوري المالكي الفشل الذريع، والقتل المريع الذي تسبب به الصداميون والتكفيريون من الفريقين بابنة صدام حسين، المقيمة في عمان منذ سقوط نظام والدها عام 2003.

الاتهامات ضد رغد بمساندة الإرهاب تعكس عجزا لحكومة المالكي إن صدقت، وتعكس إفلاسا ويأسا للحكومة، إن لم تصدق، وكلتا الحالتين تؤكدان أن حكومة المالكي لم تعد قادرة على تحقيق شيء.