هل يعقل خلاف بوش ـ المالكي؟

TT

رئيس وزراء العراق يعرف، أكثر من غيره، ان الولايات المتحدة اذا لم تكن راغبة في بقائه بالمنصب، لن يُكْمِلَ النهار في كرسيه. أعني إن كانت الرغبة جادة، وليست مجرد ضغوط كلامية تحاول إقناعه باتخاذ مسار سياسي آخر، او القبول بحل تصالحي مع الاطراف العراقية المعارضة له.

من المؤكد ان الاميركيين لم ينفقوا ثلاثمائة مليار دولار، ويضحوا بثلاثة آلاف من ابنائهم فقط من أجل التفرج على المسرح السياسي العراقي. فإن كانت واشنطن تعتقد، بشكل عميق، أن المالكي صار ضمن المعسكر الايراني ـ السوري، فإنها لن تكتفيَّ بالفرجة. الرئيس جورج بوش في كلمته الأخيرة نبه الى انه سيترك مصيره للشعب العراقي، في تلميح إلى انه قد لا يساند استمرار المالكي.

السؤال البديهي كيف يثق بوش بأن الشعب العراقي سيغير المالكي إن كان لا يريده رئيسا للوزراء؟

كلمة الشعب هنا لها معنى مختلف. المقصود أنه سيترك شأنه للبرلمانيين الذين سيعودون من اجازة الصيف بعد اسبوع، على اعتبار أن البرلمانيين هم ممثلو الشعب الذي انتخبهم، وهم الذين صوتوا على تعيين المالكي رئيسا للوزراء فقط قبل 17 شهراً مضت، ويستطيعون اخراجه من الحكم إن وجدت الأغلبية الكافية.

هل سيقنع بوش حزب المالكي بأن يتخلى عنه، ويأتي ببديل؟ هذا احتمال وارد. هل سيضغط على الاحزاب المقربة الأخرى، مثل الاكراد، والتي لديها وحدها 22 في المائة من البرلمان، وتتآلف مع الاحزاب الكثيرة التي تجمعت لتصوت ضد المالكي في البرلمان؟ ربما هذا أقرب الحلول المتوقعة إن بلغت الأمور مرحلة الحاجة الى التغيير.

المؤكد ان الشعب العراقي لن يتخلص من رئيس وزرائه على طريقة أيام زمان، من خلال عمليات القتل والسحل التي انهى بها كل الزعماء العراقيين السابقين، باستثناء رئيس واحد، بل من خلال آليات دستورية جاءت بالمالكي شخصيا الى الحكم، وهو سيقبل بتنحيته إن كانت الاغلبية ضده.

وبالتالي نحن نشهد تاريخاً مهماً في العراق نرى فيه كيف يحسم العراقيون خلافاتهم بدون الحاجة الى التآمر والاغتيال. ولو نجح التصالح السياسي وبقي المالكي، او جرى تغييره عبر البرلمان فانه انتصار للجميع، بمن فيه للمالكي نفسه. بوش قال ان الشعب العراقي هو الذي سيقرر رغم انه يملك اكبر ترسانة في العالم موجودة في العراق، تحرس أيضا دور الحكومة وكبار مسؤوليها.

ولا أظن ان واشنطن تعجز عن إسقاطه برلمانياً لو شاءت. الحقيقة أن واشنطن هي التي ساندته كل الفترة الماضية، وربما باتت الآن تفكر في اعطاء فرصة لرئيس وزراء آخر. فالمالكي يتهم بأنه عاجز عن التواصل مع الاحزاب التي تزايد خلافها معه الى درجة شبه عطلت المصالحة الوطنية. والمصالحة الوطنية مشروع ضروري، لأنها مفتاح السلام في العراق، ومفتاح الاستقرار، ومفتاح المستقبل، وتستحق التضحية بكل الافراد من اجل الجماعة، هذا إذا كان البديل قادرا على تحقيق المصالحة الوطنية المنتظرة.

نرى في المشهد العراقي اليوم منظرا غير مألوف، قادة خرجوا من الحكم واستمروا في العمل السياسي بدون خوف او وجل، نرى الدكتور اياد علاوي، والدكتور ابراهيم الجعفري، وربما الدكتور نوري المالكي.

[email protected]