إلى بوش.. العراق وفيتنام وضعان مختلفان تماماً

TT

عندما يجد الرؤساء انفسهم في أوضاع صعبة، فإنهم يلجأون الى استخدام لهجة وخطاب يعكسان هذه الأوضاع، ويلفتون من ثم الاهتمام اليها. انضم الرئيس جورج بوش الى هذا الركب عندما أشار الى فشل الولايات المتحدة في فيتنام لتبرير بقاء القوات الاميركية في العراق.

مقارنة بوش بين النزاعين تذكّر بتعليق الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون عندما قال «أنا لست محتالا» خلال فضيحة ووترغيت، وبيل كلينتون عندما علق قائلا «لم تكن لي أية علاقات جنسية مع هذه المرأة، مونيكا لوينسكي»، وهما من شاكلة التعليقات التي تسفر عن نتائج غير مقصودة لها أثار ضارة للغاية بأي رئيس في الحكم.

فالأمر لا يقتصر فقط على ان حديث الرئيس بوش أمام الجنود والضباط الاميركيين السابقين الذين شاركوا في حروب خارجية عَكَس معرفته غير الدقيقة بالتاريخ وسلط الضوء مجددا على قراره بعدم المشاركة في حرب فيتنام وصب أيضا في مصلحة الحجج ضده وضد الحزب الجمهوري. الأمر الأكثر أهمية يتلخص في أن الأمر بالنسبة للاميركيين يتخلص في ان العراق يجسد فشلا اميركيا، مثلما كان عليه الحال في فيتنام، إلا ان هذا الفشل له ظروفه الخاصة به، بصرف النظر عن ماهية هذه الظروف في أي مرحلة.

بمعنى آخر، يرى الاميركيون ان ادارة بوش ظلت تغير باستمرار اهدافها في العراق بغرض تفادي الاعتراف بالفشل والمسؤولية، إلا ان الواقع يثبت في كل مرة ان هذه الأهداف غير ممكنة التحقيق. تحرير العراقيين اصبح احتلالا اميركيا، كما ان الديمقراطية اصبحت حكومة «وحدة وطنية» مركزية مستحيلة التحقيق، فضلا عن ان زيادة عدد القوات الاميركية في العراق هذا العام قد اصبحت أداة لتحقيق مصالحة سياسية بين جماعات لا ترغب في المصالحة.

مخاطبة بوش للاميركيين سعياً لصرف اهتمامهم عن التفكير حول خيار التراجع من العراق تركزت حول الإشارة الى العواقب الوخيمة على سكان فيتنام وكمبوديا نتيجة هزيمة عام 1975. إلا ان المقارنة تعيد الى الأذهان الواقع التاريخي المتمثل في ان تدخل الولايات المتحدة في الهند الصينية لا يمكن الدفاع عنه عندما اصبح تدخلا يشكل تهديدا للنسيج الاجتماعي الاميركي والانسجام الوطني، فضلا عن التهديد الذي بات يشكله ذلك التدخل على المؤسسات المسؤولة عن الحرب والجيش والاستخبارات ومؤسستي الرئاسة والكونغرس ايضا.

لحسن الحظ مستوى الخسائر في العراق لم يكن بنفس مستوى الخسائر والنزاعات المحلية في الولايات المتحدة التي تسببت فيها حرب فيتنام. يضاف الى ذلك ان النزاعين يختلفان بصورة كبيرة في الجانب المتعلق بالنتائج المحتملة على الصعيد الاقليمي. ولعل بوش على صواب حتى الآن في تفادي الدخول في القياس والتشبيه في هذه الجوانب.

إلا ان كلمات بوش تحث على النظر في الأضرار المتزايدة التي تسبب فيها نهجه فيما يتعلق بالحرب في العراق والأمن القومي بصورة عامة على المؤسسات الاميركية في مجتمع اميركي شهد تغيرات كبيرة منذ عام 1975.

بعض القادة العسكريين وضباط وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي إيه) وأعضاء الكونغرس عن الحزب الجمهوري والدبلوماسيين بوزارة الخارجية وغيرهم جعلوا الآن حماية سمعتهم ووظائفهم ومؤسساتهم أولوية خلال فترة ما بعد بوش، التي لم تعد بعيدة.

الحاجة الى حماية البيت الأبيض والبنتاغون والحزبين الجمهوري والديمقراطي من النتائج المترتبة على الفشل في العراق توضح جزءاً كبيراً من اللوم الذي القي على عاتق رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في هذا الوقت المتأخر، على الرغم من ان عيوبه وصلاته الوثيقة مع ايران وسورية كانت واضحة تماما عندما ساعدت الادارة الاميركية على وصوله الى رئاسة الحكومة عام 2006.

فرص رئيس الوزراء العراقي في الوصول الى تشكيل حكومة «الوحدة الوطنية» التي طالب بها بوش ولم يكن المالكي يؤمن بها، تضاءلت الآن بفعل المناورات بغرض السعي الى تعزيز الموقف وتحقيق مكاسب خلال الشهور الأخيرة من ولاية بوش.

يعمل الجيش الاميركي على مساعدة المسلمين السنّة في العراق على تنظيم انفسهم في ميليشيات مسلحة تدين بالولاء، الى جانب العشيرة، لقادة اميركيين. كما ان وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية شكّلت جهاز استخبارات عراقيا لا تنفق عليه الحكومة العراقية. ومن المحتمل بالتالي ان تكون الوكالة هي التي تنفق عليه. إحجام الوكالة عن اتخاذ خطوة ضد المتمردين الأكراد الذين يعملون ضد ايران وتركيا ربما يكون ايضا جزءا من رؤية منفصلة تجاه الدور المستقبلي لوكالة الاستخبارات المركزية في العراق.

هذه المناورات ستنتهي الى الفشل في نهاية الأمر، تماما مثل محاولة بوش اليائسة في حديثه الاسبوع الماضي حول مخاوف المعارك السياسية ذات الصلة بفيتنام.

العراق وفيتنام وضعان مختلفان تمام الاختلاف. إلا ان المؤسسات الاميركية ومسؤوليها سيستمرون في الانصياع لقوانين واشنطن الخاصة بالحفاظ على الذات عندما تبدأ الحملات في الخارج في تهديد وجودهم.

* خدمة «كتاب واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»