تزاوج هجين التطور والهمجية!

TT

هل حقاً تكررت الجريمة التي ارتكبت قبل أشهر قليلة بحق الشابة العراقية اليزيدية دعاء؟

هل تعرضت فتاة أخرى، ولكن في سوريا هذه المرة، للركل والرجم حتى الموت من قبل حشود كانت تثأر لما تعتقد أنه شرف مهدور يحتاج تطهيره إلى إلقاء حجارة على جسد ناحل مستسلم لا حول له ولا قوة كما جرى لدعاء في شمال العراق؟

الإجابات ليست حاسمة لكن الأكيد أن شريط فيديو يجري تداوله في سوريا عبر شبكة الانترنت وعبر الهواتف لكنه غير واضح المصدر يعرض وقائع رجم فتاة حتى الموت وقد تحدثت مواقع الكترونية سورية عدة عن وقوع الجريمة في إحدى المحافظات السورية.

ردود الفعل حيال الشريط المذكور تعددت ومنها ما ألحق نشر صور الجريمة بنظريات المؤامرة الدولية فيما لم يتورع البعض عن الإقرار بأن هناك قتل للفتيات يجري بذريعة الشرف لكن ليس بهذه الوحشية..!! أي أن قتل النساء نفسه أمر وارد بل وعادي ولكن الاختلاف هو على كيفية القتل وليس على القتل نفسه!!

عدا عن التعقيدات الثقافية والأخلاقية التي تثيرها قضايا جرائم الشرف، يبقى لانتشار صور من نوع رجم الفتيات على النحو الذي حدث في هاتين الحادثتين خصوصية تبعث على كثير من القلق وتحتاج إلى تفكّر عميق.

تطورت التقنيات على نحو غير مسبوق وباتت تكنولوجيا الصورة قادرة على الوصول إلى أماكن لم يسبق أن وصلت إليها. هذا واقع.

لقد باتت لدينا اليوم وثائق بصرية لجرائم كان اقتصر تداولها على المروي منها فقط، أما اليوم فيمكننا الحديث عن الكثير من الصور التي توثق وقائع مروعة في حياة مجتمعاتنا الداخلية.

لكن على قدر ما يمكن ردّ هذا التوثيق إلى التطور التقني لا يسعنا سوى أن نشعر بفجيعة انسانية قاتلة إزاءه.

لقد تم استعمال الهواتف من قبل أشخاص كانوا واعين تماماً لما هم يفعلونه. فحاملو الهواتف, وهم كثر, بادروا إلى تصوير وقائع وحشية وسارعوا إلى تداولها وبثها عبر الانترنت، بل شارك البعض منهم في فعل القتل.

إنه تزاوج هجين بين الحداثة في أكثر وجوهها تطوراً (من حيث التقنية) وبين أقدم وأبشع المشاعر البشرية الهمجية، وهذا أنتج واقعاً هجيناً في حياتنا خصوصاً اننا لا نتحدث عن حالات فردية بل عن وعي شبه عام شارك فيه أشخاص كثر.

ليس هذا فحسب، بل إن تصوير وتوثيق حوادث من نوع هذه الجريمة لم يتمكن من تحويل القضية إلى قضية رأي عام. فلا تزال قضايا على غرار قضايا جرائم الشرف والعنف قاصرة عن تصدر متن الحياة العامة التي نعيشها.

لقد توسع الهامش الذي نحيل عليه قضايانا الأخلاقية والانسانية والمتن الأوسع هو دائماً للسياسة التي يتكرس يومياً في بلادنا كم هي بلا أخلاق.

diana@ asharqalawsat.com