التعلم من الضباع

TT

بدأت المواجهة العسكرية بين الجيش اللبناني ومجموعة «فتح الإسلام» في 20 مايو (ايار) الماضي بعد ذبح عدد من رجال الجيش في شوارع طرابلس. وحتى نهار أمس كان مقاتلو المجموعة لا يزالون يحتمون خلف 22 زوجة و41 طفلا. ويفهم المرء ـ إذا شاء ـ ان يتخذ فريق ما، رهينة ألمانية أو كورية جنوبية، كما هو حال الموسم الافغاني الحالي. بل يفهم ـ والفهم خيار ـ ان يصار الى قتل رهينة بعد الأخرى، ومن ثم يخرج «الناطق الرسمي» ليشرح كيف حزت الرهائن وكيف يمكن ألا تُحز الرهائن الباقية.

يفهم الانسان ان يتدهور الخلق البشري الى قعر الجريمة الفردية أو الجماعية، وان يصبح ذلك مشهدا عاديا معتادا، فيما تظل اسطورة دراكولا فيلما سينمائيا مثيرا يجتذب الجماهير الى المسارح غير مصدقين ان في امكان شبح ان يغرز أسنانه في عنق ضحيته.

يضطر الانسان، أمام اتساع هذا المشهد الدموي من قعر الهاوية وشلالات التوحش، ان يفهم، أو ان يقبل، بعض مظاهر السلوك العنفي العدمي المتحجر. الذي لا يمكن ان يفهم أو أن يقبل أو أن يفسر، في أي مربع من مربعات شرح النزوة الغابية في الانسان، هو ان يُقدم فريق ما ـ لأي سبب على وجه الأرض ـ على ارتهان أطفاله في أقبية الدمار أكثر من مائة يوم، في سبيل غرض قتالي.

عندما يحدث زلزال أو حريق أو فيضان، أول من تبحث عنهم فرق الانقاذ هم الأطفال. وطوال مائة يوم ابقى مقاتلو «فتح الاسلام» اطفالهم وزوجاتهم درعا في حرب لا يدري أحد أهداف بطولاتها. ولا يدري أحد لماذا الحرص على تدمير مخيم كامل للاجئين من أجل قتل الجيش اللبناني. ولا يدري أحد ماذا فعل الجيش اللبناني للقائد البطل شاكر العبسي ومناضليه حتى يعتبر ان الشهادة الحقيقية في نهر البارد وليست في نهر الأردن أو نهر الفرات أو نهر دجلة.

لكن كل شيء قابل للفهم ـ إذا شاء المرء أن يفهم ـ إلا ان يصل الأمر بالمناضلين ان يرتهنوا أطفالهم تحت القصف والدمار والمدافع والدخان أكثر من مائة يوم. يجب ان تعرض على هذا النوع من المخلوقات أفلام عادات الأدغال، حيث تعمد الضباع في الكوارث والخوف، الى ابعاد اطفالها أولا.