أعوذ بالله من هذا الإله؟!

TT

نعمة كبرى أن تكون مؤمناً بالله. نعمة أكبر أن تستريح إلى أن الله يراك ويسمعك وينصرك على عدوك وعلى نفسك. سعادة ما بعدها سعادة أن تؤمن بالعدل والخير والحب والسلام.. وأن كل شيء له أول وله آخر.. وأن الله حق والموت حق والعدل والخير حق.. تماماً كالأوراق المالية التي في يدي لها نفس القيمة كالأوراق المالية في البنك والبورصة وفي أيدي الناس..

أنت لم تعرف ماذا حدث لي يوم ذهبت إلى إندونيسيا وذهبت إلى البنك وسحبت أموالا جاءت لي من القاهرة. ولم أكد أخرج من البنك وأقلب في الصحف حتى سقطت الجريدة التي في يدي. لقد أعلنت الحكومة سنة 1959 إلغاء الورقة المالية من فئة المائة روبية. لقد نظرت إلى الأوراق المالية فوجدتها بيضاء.. لا أرقام ولا قيمة لها..

كأن الدنيا قد تسربت في نفسي واختفى كل شيء حولي وفي يدي وفي فمي وفي عيني وفي رأسي.. لقد أصبح كل شيء لا شيء.. كل الأرقام صفر.. كل شيء قد تراجع قد انسحب قد ابتعد ولم أعد قادراً على أي شيء.. فلم يعد هناك شيء.. هذه لحظة عدم.. لحظة انعدام كل شيء وكل صلة.. وكل الناس..

ولكن أنت على يقين من أن الذي في يدك والذي على لسانك له نفس القيمة. وأن البنوك ليست إلا خزائن القدرات والإمكانيات والاختيارات.. وأن هذه الأموال لها غطاء من ذهب. مؤكدة. يقين. قوائم. ثوابت. رواسخ..

وكذلك من عنده إيمان. من هو على يقين، من ليس وحده في الكون، وإنما وحده وألوف الملايين، وأن كل شيء قريب الأرض والسماء والناس..

فقد أتعسني وعذبني وأضناني كتاب قرأته واستمعت إليه للمفكر الإنجليزي ريتشارد دوكنز عن الإلحاد.. وهو أكثر الكتب انتشاراً. لقد أجهد الرجل فلسفته وعلمه وعقله لكي يثبت أن (الله) عند اليهود والمسيحيين والمسلمين ليس هو (الإله) الذي يستحق العبادة، فالإله ليس رب الناس فقط وإنما رب الأكوان كلها ولا يعنيه أمر الإنسان والحشرات والهوام والميكروبات! إن هذا الكاتب يجرد الإنسان من أعز ما يملك: الدفء والأمل والحب والعدل والخير.. لا أحد يحبه ولا هو يحب أحداً. إن (الإله) الذي (آمن) به دوكنز قد ألقى بنا وتركنا لأننا لا نساوي شيئاً لا عنده ولا عندنا ولا في هذا الكون!

آمنت بالله وأعوذ بالله من هذا (الإله) الذي يدعونا إليه!!