السودان: «القاعدة» وصلت.. فهل من مخرج؟

TT

بدأ السودان يواجه خطر «القاعدة» بعد إعلان وزير الداخلية اعتقال معظم خلايا المجموعة التي كانت تكدس أسلحة وذخائر ومتفجرات في ثلاثة مخابئ في مناطق مختلفة في العاصمة. وكشف عن أن هذه الجماعة كانت ترفع شعارات «منع التدخل الأجنبي في السودان»، بينما ذكرت تقارير صحافية ان المتفجرات المضبوطة كان عليها اسم نائب زعيم تنظيم «القاعدة» الدكتور أيمن الظواهري، كما كتب على بعضها «القاعدة بين النيلين» وأنها هدية من تنظيم «القاعدة» لها.

ولقد طالب مجلس الوزراء الأجهزة المعنية والإعلام الوطني والمؤسسات التربوية والتعليمية والدعوية بإدارة حوار موضوعي مع الشباب لنبذ العنف في المجتمع، لكن هذه المطالبة جاءت متأخرة، وسبقها للأسف ومنذ أكثر من عام تعبئة متواصلة عبر كل أجهزة الدولة وبقيادة أكبر المسؤولين فيها تدعو الى «الجهاد» ضد القوات الدولية القادمة الى دارفور. وكان لافتا وقتها حشد القوات النظامية والأمنية في تجمعات جماهيرية لتأدية القسم للجهاد ومحاربة القوات الدولية، وقبل ذلك كله محاربة من وصفوا بالعملاء والخونة الذين يؤيدون مجيء هذه القوات لدارفور. وكان على رأس من عملوا وحشدوا لهذه التعبئة، الرئيس البشير ووزيرا الدفاع والداخلية ورئيس المخابرات الوطنية، ما يعني أن المسؤولين عن أمن الوطن والمواطن هم مشاعل تلك الحملة.

والأدهى من ذلك كله، كانت بعض التصريحات من مروجي التعبئة تلمح على ما يبدو من باب التخويف للمجتمع الدولي الى احتمالات مجيء «القاعدة» الى السودان، حال ما تصل طلائع القوات الدولية. ولم تتأخر «القاعدة» وقتها عن تلقف كل هذه الشحنات التعبوية، فأرسلت على الفور تحذيراتها من قدوم القوات، وأعلنت استعدادها لمقاتلة قوات الكفرة ودحرهم، وتوالت على أجهزة الإعلام البيانات النارية تحمل عناوين هيئات دينية جهادية لا يسمع بها إلا عند الطلب في الأوقات التعبوية، وكلها تتنادى بالجهاد وتتوعد الأمم المتحدة الى درجة جلبت الخوف للعاملين في المنظمة في السودان وفي الخرطوم على وجه الخصوص، وعوضا عن أن تسعى الحكومة الى طمأنة الأمم المتحدة، زادت الوضع تفجيرا بطردها الممثل الأعلى للمنظمة في السودان متهمة إياه بالتدخل في الشأن السوداني، لأن موقعه على الانترنت تحدث عن هزيمة لحقت بالقوات السودانية على أيدي جماعات من المتمردين في دارفور، في واحدة من المعارك التي يبدو انه كان وقتها في المنطقة، وقريبا من تلك الموقعة.

الآن يتنبه مجلس الوزراء الى ما يحدق بالبلاد من مخاطر «القاعدة».. ويطلب من الاعلام والمؤسسات التربوية والدعوية ادارة حوار لنبذ العنف في المجتمع وهي دعوة سليمة، ولكن نرى انه من الواجب ان نذكره بأن يبدأ بتوجيه هذه الدعوة لبعض أعضائه، الذين هم حتى بعد اكتشاف الخلايا النائمة، ما زالوا في ركاب موجة الحماس التعبوي، ونخص بالذكر وزير الدفاع الذي عقد مؤتمرا صحافيا رحب فيه بالقوات الهجين، ثم ما لبث ان أخذ يهدد ويتوعد المجتمع الدولي، بأنه سيطرد من يشاء ومذكرا بالسوالف (طرد يان بروك ممثل الأمين العام السابق)، ومؤكدا انه لا قوات ستعمل على الأرض غير قوات افريقية، وانه لا يستبعد محاولة بعض الجهات الالتفاف على قرار مجلس الأمن لدى ترجمته الى أرض الواقع، ولكنهم سيكونون لها بالمرصاد.

المطلوب بالفعل من مجلس الوزراء ان يكون هو القدوة في الدعوة لنبذ العنف وضبط ايقاع تصريحات ومواقف كل أعضائه وهي لا تزال متنافرة ومتناقضة في بعض الأحيان. أما في ما يتعلق بالمؤسسات التربوية والدعوية، فيلزم مجلس الوزراء أن يطلب من وزارتي التعليم والشؤون الدينية، مراجعة كل البرامج التعليمية والدعوية حتى تكون خالية من التطرف والدعوة للعنف. وبالنسبة للاذاعة والتلفاز فربما يحتاج الأمر الى تخفيف الجرعات الدينية الزائدة عن الحد في بعض البرامج. أما في الصحافة على وجه الاجمال فلا يبدو أن هناك دعوات تروج لأي عنف، ولكن على الحكومة مراجعة سجل الهيئات الكثيرة ذات العناوين الدينية المثيرة والتحقق من هويتها وبرامجها والمهام التي تقوم بها حتى تتأكد من انه ليس بينها من تروج للعنف أو تمده بسند ما بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

لقد كان واضحا من الشعارات التي ضبطت مع الخلية انها شعارات ضد التدخل الأجنبي في السودان، وهي شعارات مستمدة من الفوران الذي أحدثته الحكومة بالتعبئة ضد القوات الدولية، وما كان لحكومة مسؤولة أن تعلن حربا ضد المجتمع الدولي في شأن خلافي لا يمت لغزو السودان بصلة أو التآمر عليه كما صورت الأمر في المبتدأ. فنظرية المؤامرة لا ينبغي أن تتخذها الحكومة عقيدة وتبني عليها أي خلاف يطرأ بينها وبين الآخرين. ومن آيات ذلك ان الحكومة بدت وكأنها أصبحت مصابة بعقدة اسمها القوات الدولية، لأنها ما فتئت تتحدث عن قرار مجلس الأمن وكيف أبعدت منه فقرات كانت ملغومة أو مدسوسة لتمس بسيادة السودان، وما الى ذلك من أحاديث لتبرر بها فورانها السابق، لكنها لا تأخذ في الحسبان ان مثل هذه الاجتهادات تعزز من شعارات محاربة التدخل الأجنبي التي تروج لها الخلايا النائمة، والتي تسعى هي الآن لفكفكتها.

المهم ان «القاعدة» وصلت، فهل من مخرج؟ نعم، اضافة لما سبق ذكره فإن على الحكومة ان تستعجل الوصول الى الحل السلمي الشامل لقضية دارفور، وأن تعمل على تسوية خلافاتها مع الحركة الشعبية حول المسائل المختلف عليها في اتفاقية السلام، وفوق ذلك كله ان تعمل بجد وصولا للوفاق الوطني، لا أن تتخذ من هيئة المصالحة التي يترأسها المشير سوار الذهب، لافتة تلوح بها من حين لآخر، وان تفرج عن المعتقلين السياسيين، وتزيل كل القوانين المقيدة للحريات السياسية والصحافية، وتلتزم بالانتخابات العامة في موعدها بما يضمن نزاهتها والإشراف الدولي عليها، وان تكف عن ارسال الاتهامات بلا حساب للمجتمع الدولي.