لحود وبوش.. وزيجات ما قبل الانصراف النهائي

TT

يستعد البيت الأبيض لحفلة عرس رنانة طنانة، ستتم في الزمن الذي حُرم فيه ألوف الشباب والشابات في العراق من فرحة العمر، لأنهم إما سقطوا قتلى بفعل الإرهاب المستشري وإما لأن أيام الشقاء الذي يعيشونه لا تسمح لهم بالزواج وتأمين المتطلبات لذلك، واذا غامروا وأقدموا فإنهم يتزوجون من دون أعراس وذلك لضيق ذات اليد.

عروس البيت الأبيض هي جينا بوش الشقيقة التوأم لـ بربارة، وهما الابنتان الوحيدتان للرئيس الاميركي الذي لم يُرزق أولادا ذكوراً.. وإلاَّ لكان عمل على توريث احد الأبناء على نحو ما فعل الوالد بوش الأب وبعض حكام العالم، مثل كيم ايل سونغ والرئيس الراحل حافظ الأسد.

الابنة في الخامسة والعشرين وعريسها هنري هاجر هو صديق للرئيس بوش ومن الشخصيات المرموقة في الحزب الجمهوري. ومنذ الإعلان عن النبأ السعيد والتكهنات ترافق التحضيرات. ومن حيث المبدأ فإن الزفاف سيجري خلال الخريف المقبل في البيت الابيض متزامناً مع حدثين بالغي الأهمية في حياة الرئيس بوش وربما في تاريخ المنطقة. الأول هو أن العد العكسي لانتهاء الولاية البوشية الثانية والاخيرة يكون قد قارب على النهاية، وبذلك يصبح زفاف البيت الأبيض، الذي هو الثاني في تاريخ قصر الرئاسة الاميركية منذ زفاف باتريشيا ابنة الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون من حفيد الرئيس دوايت ايزنهاور عام 1971، شبيهاً في بعض جوانبه بالزفاف الذي شهده القصر الجمهوري اللبناني في بعبدا قبل أيام، وهو زفاف الابن الثاني للرئيس أميل لحود الذي بقيت أسابيع قليلة على مغادرته القصر، بعدما أمضى فيه ست سنوات دستورية وثلاث سنوات في صيغة التمديد.

هذه الزيجات تحدث في آخر الولايات الرئاسية وتحديداً في آخر أكثر ولايتين رئاسيتين مثيرتين للجدل، كون الأولى، أي سنوات بوش الابن في البيت الأبيض، كانت كارثة على أميركا وعلى المنطقة بدءاً بالتفجيرات المحيِّرة في نيويورك وما تلاها من حرب باردة وأحيانا فاترة قابلة للسخونة على الإسلام، وصولاً إلى احتلال العراق وإسقاط النظام في عملية غزو تبدو الغزوة الصدَّامية للكويت كما لو أنها قص الشريط الافتتاحي للغزو والاحتلال والهيمنة والتفرد بالسيطرة على القرار الدولي وإخضاع اي نزعة استقلالية إلى الأمر الواقع البوشي. اما الثانية، أي السنوات اللحودية في قصر بعبدا، فإنها كانت سنوات الصدامات الواحدة تلو الأخرى، فضلاً عن أنها حفلت بـ«أم الفواجع» وبالحرب الأولى من نوعها بين إسرائيل و«حزب الله» بما يملكه من اسلحة صاروخية وجسور إمداد سورية ـ ايرانية. ومع أن التدمير الإسرائيلي للبنية التحتية لـ«حزب الله» بنسبة كبيرة ولبعض منشآت البنى التحتية اللبنانية من جسور ومدرجات ومحطات توليد كان مخيفاً، إلاَّ أن هزيمة من نوع لم تعتد عليه إسرائيل ألحقها «حزب الله» بجنودها ومدرعاتها وبالذات الـ «ميركافا» دبابتها الرامزة إلى قدراتها في مجال التصنيع العسكري المتطور، خفَّفت من صدمة العدوان الجوي البالغ الضراوة الذي قامت به إسرائيل ودام شهراً أمطرت خلاله لبنان بألوف الصواريخ المتعددة أنواع التدمير. أما «أم الفواجع» فتتمثل باغتيال الرئيس رفيق الحريري في عملية تفجيرية لا مثيل لبشاعتها وكان يمكن أن تستمر لغزاً ومجهولة الفاعلين والمحرضين وغير واضحة الدوافع إلى أن اقتحم المجتمع الدولي الساحة، معتبراً أن الفاجعة تستحق محكمة دولية وان المحكمة تستوجب محققين أصحاب خبرة جنائية دولية. وكما إن الولاية الرئاسية الثانية للرئيس بوش كانت رمز الغزو والاحتلال فإن الولاية النصفية الممدَّدة للرئيس أميل لحود كانت رمز سلسلة من الاغتيالات تعامل معها كمراقب وعلى أساس انه محايد، خلافاً للظنون الدولية من جهة وللفريق الذي علا صوته بعد الانسحاب السوري بموجب قرار دولي من جهة أخرى.

ثمة بعض التساؤلات التي يمكن طرحها على هامش هذين الزواجين يحدثان في الرحاب الرئاسية ويتزامنان مع الاستحقاقين الكبيرين: الاستحقاق البوشي المتعلق بالمؤتمر الدولي الذي يتزامن عقده مع زواج الابنة جينا بوش. والاستحقاق اللحودي المتعلق بانصراف هادئ للرئيس من قصر بعبدا وقد سهَّل انتخاب رئيس جديد متجاوباً في ذلك مع رغبة طائفته المارونية وبالذات مرجعيات هذه الطائفة من رجال دين وسياسيين.

في ضوء ما يمكن للمرء أن يلاحظه هو أن الاستحقاقين مكبلان بقيود سياسية، وكما لو أنها سلاسل في المعصمين أو ملصَق على الفم بالنسبة إلى الرئيس لحود المرتبط بوعود لها صفة الالتزام مع حليفه الحكم السوري، أو إنها تعهّدات خطية من بوش الابن عشية انتخابه هو بالذات رئيساً للولايات المتحدة بأن لا يخرج عن الاستراتيجية التي رسمتها الحركة الصهيونية لإسرائيل.

لكن مع ذلك ولأنه لا مجال بعد الآن للبقاء في رحاب القصر الرئاسي مما يعني التخفيف من وطأة الوعود والارتباطات والتعهدات، فإن كلا الرئيسين ربما ينتهزان الفرصة ويغادر كل منهما القصر بعدما حققا للابنة والابن زواجاً فخامياً وقد أنجزا الاستحقاق التاريخي الذي هو تكرار يوجب على الرئيس بوش الانصراف وقد قامت دولة للفلسطينيين وفق تصوراته وما سبق أن صرح به مراراً، ويوجب على الرئيس لحود أن يحط على غصن شجرة لبنانية بعدما حلَّق طوال تسع سنوات في الذرى السورية... ومن دون أن يأخذ في الاعتبار أن للوطن على من يترأسه حقوقاً وواجبات يتم تسديدها له قبل رد الجمائل للآخرين.