الدرس التركي الكبير

TT

حالة من الفرحة والابتهاج تسود العديد من الأحزاب والحركات السياسية الإسلامية في العالم العربي، بمناسبة فوز وزير الخارجية التركي عبد الله غل بمنصب رئيس الجمهورية، على الرغم من التحفظات الهائلة للعلمانيين والقيادات العسكرية في البلاد. وتعتبر هذه الأحزاب والحركات السياسية الإسلامية العربية عبد الله غل، ورئيس وزرائه رجب طيب أردوغان وحزبهما (العدالة والتنمية) جزءا منها وينتميان لها.

وحقيقة الأمر أن حزب العدالة والتنمية التركي وقيادته أصحاب التوجه الإسلامي يبتعدون عن الحركات الإسلامية العربية بعد الأرض عن الشمس، ومن الظلم والإجحاف الهائل وضعهم في سلة واحدة، فحزب العدالة والتنمية لم يصل للحكم عن طريق القتل والتفجير والإبادة وسفك الدماء، ولم ينشر في مجتمعاته الفتاوى الجاهلة المكفرة والمفرقة، التي تمزق أبناء الدين الواحد بين كافر ومشرك ومبتدع ومتزندق بناء على جهل وضلال.. لم يصل للحكم بانعزاله عن العالم وفصل أبناء بلاده عن محيطهم، وإيهامهم بأنهم يعيشون وحدهم على هذا الكوكب.

وصول «التنمية والعدالة» إلى رأس الحكم، والى أعلى سلطة في الجمهورية التركية هو نقلة نوعية في النموذج الحديث للحكم في العالم الإسلامي، وهو حكم عقلاني ورشيد وليس موتوراً ومدمراً كما ينادي به الكثير من الحركات السياسية المعروفة بتوجهها الإسلامي. حزب العدالة التنمية التركي بعقلانيته ونجاحاته المبهرة على الصعيد الاقتصادي، يحرج الاتحاد الأوروبي وبشدة، باستمرار تحفظه على قبول تركيا في السوق الأوروبية كعضو مكتمل الحقوق، والحزب بتوجهه الديني المعتدل مرشح لأن يكون حالة مثل حالة الأحزاب المسيحية الديمقراطية الموجودة في ألمانيا والدول الاسكندنافية، التي بنيت على أساس توجه ديني بروتستانتي ولكنها اندمجت في الحراك الديمقراطي بشكل إيجابي وبناء، وخرجت من عباءة الحزب الديني إلى عباءة الحزب السياسي ذي الجذور الدينية. الإنجازات الناجحة والمتتالية لحزب العدالة التنمية مع الإصرار على حماية العلمانية (باعتبارها حائط صد منيعا ضد الطائفية والمذهبية والعرقية وما تنتجه من خلافات، التي يغرق فيها العالم العربي وبامتياز)، توضح أن ما كان يروج له وباستمرار عن أسلوب الحكم بالصيغة الدينية ليس هو الحل، وإنما الحل هو بأسلوب ومنهج شبيه بما تم إنجازه في تركيا، وهو جاء من مرجعية ومنهجية لا علاقة لها بما ينادي به الآخرون في التيارات العربية الإسلامية.

كل الأمل أن تستفيد دولة كباكستان مثلا من الدرس التركي، قبل أن تغرق قريبا في وحل التمذهب والطائفية والقبلية، لأن المعادلة فيها جاهزة لذلك، وطبعا من الممكن تذكير العراق أيضا بالاستفادة من نفس الدرس.

[email protected]