الديمقراطيون.. أفكار خيالية حول مستقبل العراق

TT

ما الذي ستفعله اذا كنت سياسيا أميركيا يتساءل عما سيقوله بشأن العراق ؟.. حسنا، يمكنكم الافتراض ان العراق ورقة بيضاء يمكنكم ان تظهروا عليها مواهبكم في «بناء البلد». أو ان بوسعكم ابلاغ العراقيين عمن يتعين ان يحكمهم وما الذي ينبغي ان تكون عليه سياساتهم.

وإذا لم يقنعكم أي من الخيارين يمكنكم، على الدوام، أن تلقوا باللوم على العراقيين بشأن المشاكل وتوصوا بأن تتركهم بقية دول العالم يعانون من مرارة نزاعهم الطائفي.

وأخيرا يمكنكم ببساطة ان تنفوا وجود حرب على الاطلاق.

الخياران الأولان هما الخياران الحاليان بين زعماء الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة.

وتوصل بعض الزعماء الديمقراطيين، التواقين الى ابهاج قاعدتهم النشطة المناهضة للحرب بدون أن يظهروا باعتبارهم متساهلين تجاه الارهاب، الى طائفة من الأفكار الخيالية حول مستقبل العراق. ويريد السناتور جوزيف بايدن، الذي يتطلع الى الرئاسة، تقسيم العراق الى ثلاث دويلات صغيرة، على الرغم من أنه ليس هناك من بين المعنيين في الصراع الحالي داخل البلد من يريد ذلك. ولا يقول بايدن شيئا عن كيفية القيام بذلك ومن الذي سيقوم به. غير ان زميلته باربرا بوكسر، السناتور من كاليفورنيا، أكثر قدرة على الحديث عن ذلك. فهي تعتقد أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يجب ان يقسم العراق الى ثلاث دويلات قبل رحيله. وما لا تخبرنا عنه هو كيف ان قوة المهمات الأميركية، التي تجد من الصعوبة تهدئة بغداد وضواحيها في الوقت الحالي، ستكون قادرة على فرض السلام على ثلاث دول منفصلة قبل الانسحاب، وكل ذلك قبل حلول الكريسماس! والسناتور هيلاري كلينتون، زميلة بايدن وبوكسر، والمتطلعة الديمقراطية الى الترشيح للرئاسة، ليست ساذجة. وهي تعرف أنه ما من احد في العراق يريد لعبة «الدول الثلاث» التي اقترحها زميلاها، وانه ما من قوة على الأرض قادرة على فرضها. كما انها تعرف ان الحل المزعوم لا صلة له بكثير من المشاكل التي يواجهها العراق اليوم.

غير أن هيلاري، هي الأخرى، غير مستعدة أو انها تواجه ضغطا من قاعدة حزبها المناهضة للحرب، وغير قادرة على دعم موقف عقلاني حول العراق عبر تبني وجهة النظر البعيدة المدى والتوجه نحو ما هو اقل من النصر الكامل على الارهابيين. وهكذا فان السناتور من نيويورك اختارت الخيار الثاني: ابلاغ العراقيين من يختارون كزعيم، وما هي السياسات التي يتبنوها. وبدعم من الجناح «الواقعي» لحزبها دعت السناتور كلينتون الى اقالة حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي.

ولو لم يكن مرتبطا بالوضع المأساوي في العراق فان هذا النمط من الموقف السياسي ربما يكون قد استحق شيئا من الجدل. والسياسيون الذين لا يحلمون بصياغة سياسة للحزبين حول العراق في واشنطن ينصحون نظراءهم في بغداد بالقيام بما لن يقوموا به هم أنفسهم. وإذ فعلوا كل ما بوسعهم لتخريب سياسات الرئيس جورج دبليو بوش بشان العراق، فإنهم يقولون للسياسيين العراقيين: «افعلوا كما أقول لا كما أفعل!».

غير ان هناك زاوية مضحكة في كل هذا.

فالسياسيون الديمقراطيون الذين يلومون بوش على التدخل «الامبريالي» في العراق هم أنفسهم، يتمنون التحكم بالقضايا السياسية في العراق كأي ضابط استعماري كلاسيكي في القرن التاسع عشر.

والخيار الثالث، أي توجيه اللوم الى العراقيين في الإخفاق والخروج السريع، يتمتع بإعجاب اوسع في واشنطن. فالسناتور الديمقراطي باراك أوباما، وهو متطلع آخر للترشيح الرئاسي، يعتقد ان العراقيين ليسوا مستعدين لنظام حكم اكثر تحضرا وانه ليس من شأن الولايات المتحدة أن تحاول فرض نظام معين بالقوة.

ويبدو ان زميله الجمهوري السناتور جون وورنر السياسي المخضرم في مؤسسة الدفاع في واشنطن، يشاركه وجهة نظره. فهو يدعي ان الولايات المتحدة بذلت كل ما في وسعها ويجب ان تبدأ في الانسحاب الآن، تاركة العراقيين يدافعون عن انفسهم ضد الارهابيين والجيران المستغلين.

وترجمة ذلك بلغة واضحة يعني ذهبنا للعراق وقضينا على بنيته السياسية، لكن الآن تبين لنا اننا نفتقد الى الطاقة لدعمها حتى تطور بنية جديدة.

وبالطبع، فإن بعض السياسيين في واشنطن لا يحاولون التعامل بطريقة غير مباشرة بخصوص العراق. وواحد من هؤلاء هو جاك مورثا، وهو واحد من الديموقراطيين القلائل الذين عارضوا اسقاط صدام حسين من البداية. ولا يخفي مورثا وجهة نظره ان حزبه يحتاج الى هزيمة اميركية واضحة في العراق للسيطرة على البيت الابيض والفوز في الانتخابات النيابية القادمة في عام 2008. ولا يعبأ مورثا بمن ينتصر في العراق. الامر الذي يهمه هو عدم انتصار الولايات المتحدة في العراق، على الاقل ما دام بوش في البيت الابيض.

والعديد من زملائه بمن فيهم زعيم الاغلبية في مجلس الشيوخ هاري ريد ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي قد اعتبرا ان الحرب فقدت وان الولايات المتحدة يجب ان تعترف بهزيمتها وتخرج من هناك.

وفي الجانب الجمهوري، لدينا السناتور تشاك هاغل المعارض لتحرير العراق. ففي العام الماضي ابلغ زملاءه في مجلس الشيوخ بضرورة مواجهة العواقب الحقيقية: هل هناك حرب ضد الارهاب ام لا؟ هل العراق جزء من الحرب؟ وإذا لم يكن ذلك صحيحا الا يجب على الكونغرس وقف كل الاموال المخصصة للحرب، وبالتالي يجبر الرئيس على اعادة القوات الى الوطن؟ اليس من المفارقات معارضة الحرب ومحاولة وضع العديد من العراقيل امام القتال فيها، وفي نفس الوقت، الاستمرار في تمويلها؟

وقد اختار السناتور جون ادواردز، وهو مرشح ديموقراطي اخر للرئاسة، دعم تحرير العراق في عام 2003، الا ان ادواردز يقول الان ان امامه سنوات عديدة للتفكير بخصوص اشياء وقد توصل الى ان ما يطلق عليه الحرب على الارهاب هي من بنات افكار جورج بوش. اذا لم يكن هناك ارهاب ولا حرب على الارهاب، فلماذا يجب على الولايات المتحدة القتال في العراق او افغانستان. والأخبار السيئة في كل ذلك هو عدم السماح للشعب الاميركي بفهم ما هو الامر ولا ما الذي يجب ان يفعلوه او لا يفعلوه بخصوص ذلك.

ولكن، كما هو الامر دائما توجد انباء جيدة. ففي البداية ليس بايدن ولا بوكسر الذي يمكنه تقرير من هو الذي يمكن ان يصبح رئيس وزراء العراق. وما دام المالكي يحتفظ بأغلبيته البرلمانية، فلا يمكن لأحد ان يعزله من منصبه.

كما اننا لا نعيش في اوائل القرن العشرين عندما كان بناة الامبراطوريات يجلسون حول حمامات السباحة ويقسمون الشرق الاوسط كما يريدون. ولا يمكن لأحد تقسيم العراق اليوم، ما دام الشعب العراقي يرغب في الوحدة في اطار هوية ديموقراطية وفيدرالية واحدة.

وبالنسبة لانسحاب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من العراق، من الواضح ان ذلك لن يحدث قريبا. ويعلم الديموقراطيون، بالرغم من موقفهم، انه لا يمكنك سحب 180 الف جندي وكميات ضخمة من المعدات بدون نشر الاستقرار في البلد المعني سواء عن طريق هزيمة العدو او الاستسلام له واكتساب حمايته وأنت تهرب.