لم يكن يخطر على بال أحدنا ان كوريا الشمالية ستستسلم بلا رصاصة واحدة. هكذا تبدو الأمور من مفاوضات جنيف التي يبدو أنها أكدت نهاية العناد الكوري والموافقة على إغلاق أكبر المفاعلات النووية وطي ملف الخلاف.
وإن كانت الاخبار صادقة فستكون هذه المرة الأولى التي يحسم فيها سلاح الحصار الاقتصادي المعركة وتضطر بيونجيانج الى الرضوخ. مكافأة لها يتوقع ان يرفع اسمها سلميا من ثلاثي محور الشر الذي رسمته واشنطن ووضعته هدفا لها. حدث ذلك في عام 2002 حينما اعلنت الحكومة الاميركية استراتيجيتها السياسية والعسكرية انها ستستهدف ثلاث دول هي العراق وإيران وكوريا الشمالية. وبعد نحو عام واحد من ذلك الاعلان هاجمت العراق وأسقطت نظامه، وفرضت الحصار الاقتصادي والملاحقة السياسية على كوريا الشمالية، وتباطأت في معاقبة ايران.
وقد جزم أكثر المحللين أن كوريا الشمالية ستكون أصعبها، ورجحوا احتمال ضربها عسكريا بعد العراق. السبب ان كوريا الشمالية طورت قدراتها العسكرية أكثر من أي دولة معادية أخرى، بل وصارت الممول العسكري للدول المعادية حينها، مثل ليبيا والعراق وإيران. أيضا، كانت كوريا الشمالية بلا حلفاء في الاقليم الذي تعيش فيه ونظام حكمها ظل آخر بقايا الانظمة الشمولية هناك. ولا ننسى ان كوريا الجنوبية تعيش في حال تأهب دائمة لأي اكتساح لأراضيها من قبل الكوريين الشماليين، وتوجد هناك قوات اميركية مرابطة تستعد للمعركة المقبلة.
كل هذه الاسباب رشحت كوريا الشمالية هدفا ثانيا، بعد نظام صدام الذي أسقط سريعا، في معركة محدودة.
وها نحن، بعد خمس سنوات من بداية الإعلان، نرى ان كوريا الشمالية تنسحب من المواجهة مقابل مساعدة مالية بسيطة ومعونات معيشية ورفع الحجر البنكي الدولي عليها، وأخيرا طلبت شطب اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
بقيت ايران التي تمر بنفس التجربة، الحصار الاقتصادي والتخويف العسكري من أجل نفس الهدف، أي وقف الانتاج النووي الذي يهدد بتغيير توازن القوة في منطقة الشرق الأوسط.
والسؤال هل كسب الرئيس بوش نصرا مهما بعد أن اعلنت كوريا الشمالية استسلامها بصورة غير متوقعة؟ بالتأكيد انه نصر ثمين جدا. فمنذ ثلاث سنوات والرئيس يعيش محاصرا في واشنطن من قبل نقاده وخصومه وحتى بعض اصدقائه، والمعارضة ضده تتعاظم مع صور الأكفان المنقولة من العراق، ودعاية الانتخابات المعادية لسياساته.
هذه هي المرة الأولى منذ زمن طويل التي يشعر فيها بوش بأنه يقف رافع الرأس، بعد ان اطيح بكل وزرائه الصقور، وأقصي حليفه توني بلير من رئاسة وزراء بريطانيا، وظن الجميع ان الرئيس في البيت الابيض صار بطة عرجاء حتى نهاية العام المقبل عندما يحين وقت الرحيل. والأمر يتوقف على الإعلان الأخير من كوريا الشمالية الذي ينتظره الجميع بعد أن انتهت مفاوضات جنيف.