شكراً سيادة الرئيس.. على تذكيرنا بفيتنام

TT

الأمر المثير للاهتمام في محاولات الرئيس جورج بوش إبعاد الكونغرس من التدخل في حربه المأساوية والحمقاء، اشارته الى حرب فيتنام، ليس من باب التحذير واستخلاص الدروس من عواقب الغرور والغطرسة، وإنما كمبرر وسبب للاستمرار في العراق.

قل ما شئت عن بوش، لكنه بالتأكيد صاحب مفاجآت مستمرة – لا أتحدث هنا عن زيارته غير المعلنة يوم أمس الأول الى محافظة الأنبار. إذا أخذنا في الاعتبار اقتراب موعد صدور تقرير الجنرال ديفيد بتراوس والسفير ريان كروكر الأسبوع المقبل حول الوضع في العراق وفشل الحكومة العراقية في إحراز أي تقدم بشأن المصالحة السياسية، فليس من المفاجئ أن يقرر بوش الظهور في صور خلال جولته في جزء من العراق يمكن ان يزعم تحقيق بعض النجاح فيه.

ولكن، هل وصل به الأمر الى السعي لكسب التأييد من خلال تذكير الأميركيين بفيتنام؟ ربما كان شعوري أفضل إذا جاء إيراد بوش لفيتنام في سياق إشارة استهلالية لحديثه من باب السخرية، إلا أن لدي شعورا عميقا بأن بوش يعتقد في الصورة التاريخية الخاطئة التي يحاول الترويج لها، وأخشى أيضا أن يكون بصدد مهمة لإعادة كتابة الماضي.

قال بوش الشهر الماضي خلال حديثه أمام رابطة العسكريين الأميركيين السابقين الذين شاركوا في حروب خارجية، إن «من ضمن التركة التي خلفتها حرب فيتنام أن ثمن انسحاب الولايات المتحدة دفعه ملايين المواطنين الأبرياء الذين أضافت آلامهم ومعاناتهم مفردات وعبارات جديدة مثل «لاجئي القوارب» و«معسكرات إعادة التأهيل» التي أقامتها الحكومة الفيتنامية عقب انسحاب الولايات المتحدة و«حقول الموت».

أضاف بوش أيضا: «يمكن أن يقول البعض إن انسحابنا من فيتنام لم ينعكس سلبا على مصداقية الولايات المتحدة، إلا أن الإرهابيين سينظرون الى هذا الأمر بصورة مختلفة».

وحتى لا يعتقد أي شخص أن ذلك مجرد حديث عشوائي عابر، كتب قيصر البيت الأبيض، السياسي كارل روف، الذي أعلن نيته ترك موقعه الشهر الماضي، مقالا في «ناشونال ريفيو» المحافظة الأسبوع الماضي: إذا جاءت المحصلة النهائية (في العراق) مشابهة لما حدث في فيتنام بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن حلفائنا وسادت الفوضى وأعمال العنف في المنطقة، فإن حكم التاريخ سيكون قاسيا. التاريخ سيعتبر الرئيس بوش على صواب، ومعارضي سياسته على خطأ».

يا للمفارقة!!

للتاريخ، القصف الأميركي لكمبوديا أدى الى زعزعة استقرارها وعزز من موقف الخمير الحمر، الذين استولوا في نهاية الأمر على السلطة وقضوا على «ملايين» الناس في «حقول الموت». نظام الخمير الحمر أطيح في النهاية بواسطة الشيوعيين الذين استولوا على السلطة في فيتنام عقب الانسحاب الأميركي. ريتشارد نيكسون هو الذي فاوض وبدأ الانسحاب الأميركي. أما جيرالد فورد، فقد كان رئيسا للولايات المتحدة عندما سقطت سايغون، وكلاهما جمهوري، حسبما أتذكر.

جورج ماكغفيرن، الذي لم يصبح رئيسا، كان على صواب.

بوش وروف وديك تشيني، وبقية مهندسي حرب العراق، لم يحاربوا في فيتنام. وليس ذلك فحسب، بل انهم ذهبوا الى النأي بأنفسهم عن المغامرة العسكرية التي يصفونها الآن بأنها نبيلة وضرورية على حد سواء. إلا أن اهتمامي الآن بتشويههم للتاريخ أكثر من اهتمامي بنفاقهم.

القول بأن الولايات المتحدة ما كان ينبغي أن تسحب قواتها من فيتنام، يعني أنه كان بوسع تلك القوات فعل شيء هناك بخلاف استخدام قنابل النابالم والقصف الشامل وتدمير القرى. لم يحدد بوش والآخرون ما كان يجب فعله هناك لأنهم ببساطة لا يعرفون. فهم لا يرون شيئا سوى سراب تاريخي.

يبدو أن بوش يريد العودة الى عصر ذهبي ترمي فيه الولايات المتحدة بثقلها متى ما رغبت وأينما أرادت وكيفما شاءت. إلا أن المشكلة تكمن في أن هذا العصر الذهبي لا وجود له في الواقع. فقوة الولايات المتحدة لها حدودها، كما أن هناك دائما حروبا لا يمكن الانتصار فيها.

يبدو أيضا أن بوش ومساعديه نسوا أن دوايت آيزنهاور ـ وهو رجل أكثر خبرة في إدارة الحرب، مقارنة بمن يسيطرون على البيت الأبيض الآن ـ أدرك أن الورطة والجمود هما أقصى ما يمكن أن يحققه في كوريا.

هل يريدنا بوش أن نتذكر فيتنام؟

لا بأس، فلنتذكر إذن مشاهد مثل أسير الفيتكونغ الذي أعدم برصاصة في رأسه، ومنظر الطفلة التي كانت تركض عارية وهي تصرخ إثر هجوم بقنابل النابالم. لنتذكر أيضا ضآلة ما نعرفه فعلا حول المجتمع الفيتنامي، كما يجب أن نتذكر ثبوت خطأ نظرية تأثير الدومينو، ويجب ألا ننسى أيضا مدى الأضرار التي ألحقتها تلك الحرب بقواتنا المسلحة وبالبلاد والزمن الذي استغرقته عملية معالجة هذه الآثار.

شكرا سيادة الرئيس على تذكيرنا بفيتنام. فعندما تتحدث عن «الانتصار» في العراق ويشير تقرير بتراوس الى ضوء في نهاية النفق، فإننا سنتذكر فيتنام.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»