هل الأولوية في السودان للصواريخ والأسلحة الثقيلة؟!

TT

لست في مجال تقويم تصريح وزير الدفاع السوداني عبد الرحيم محمد حسين عن قيام بلاده بتصنيع طائرات بدون طيار، وأنها في طريقها لإنتاج الصواريخ والأسلحة الثقيلة الأخرى، وتصنيفه للسودان بأنه الدولة الثالثة في أفريقيا في مجال التصنيع العسكري، فأنا أعرف أن الحديث عن القوة يلامس احتياجات نفسية لدى شريحة مسكونة بكوابيس الحرب، ترى في القوة العسكرية شيئا من الطمأنينة، رغم مخاتلة تلك الرؤية «في بعض الأحيان»، فالقوة العسكرية ليست قرينة الاستشعار بالأمان في كل الأحوال، وقد تكون جالبة للنقمة، ومثيرة للصراع، كتلك القوة التي تباهى بها صدام حسين ذات يوم، ولم تجلب للعراق سوى الخراب والدمار.

فإن كان من حق السودان أن يفخر بمنجزه في مجال التصنيع الحربي، إلا أنني أشعر أن وزير الدفاع السوداني لم يحسن اختيار الزمن المناسب لمثل هذا الاستعراض، في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية الحساسة التي تعيشها البلاد، فالسودان اليوم في حاجة أكثر إلى إبراز جهوده في مجالات التنمية والسلام والوحدة.. فآذان العالم التي تبحث في أخبار السودان عن السلام في دارفور، والتنمية في الجنوب، ومعالجة آثار الفيضانات في بعض المناطق، قد تجد في تصريح الوزير السوداني عن المقدرات العسكرية نشازا ضمن سياقات ما ينتظر أن يصدره السودان من أخبار هذه الأيام.

صحيح أن السودان يرتبط بعلاقات غير مستقرة مع بعض جيرانه، وأن الآخرين على نفس الدرجة من الشراهة لامتلاك أسباب التفوق العسكري، ولا أحد يلوم السودان أن يركض في نفس المضمار، وأن يمارس نفس اللعبة، ولكن لكل ظرف زمني لغة تسوده، وأولويات تحكمه، وأعتقد أن السودان في حاجة اليوم إلى استغلال كل طاقاته الإعلامية وغيرها لترسيخ صورة سودان السلام، سودان الوفاق، وسودان التنمية، بعيدا عن لغة الطائرات، والصواريخ، والأسلحة الثقيلة، ومفردات الحرب، وقواميس الصراع، وكل ما يثير الشكوك، ويفتح بوابة تأويل النوايا.

وليعذرني الأحبة السودانيون على الضفة الأخرى من البحر إن خدشت فرحتهم في التعبير عن ذلك المنجز بهذه السطور، فما أردت التقليل من شأن ما تحقق، ولكن ارتأيت أن للسودان وجها آخر أكثر إشراقا ينبغي أن يحتل إطار الصورة.

[email protected]