مؤتمر الخريف المقبل: الفشل انتصار محقق لـ«فسطاط الممانعة»!

TT

لم يتحدد، حتى الآن، موعد انعقاد المؤتمر الدولي المتعلق بأزمة الشرق الأوسط، الذي دعا إليه الرئيس الأميركي جورج بوش، وكل ما قيل بهذا الخصوص هو أن هذا المؤتمر سينعقد في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل وكذلك فإن الجهات المدعوة إليه، بما في ذلك الفلسطينيون والإسرائيليون، لم تصل إلى أي منها أي دعوة بالنسبة لهذا الأمر، وهذا أضفى على الجميع شيئاً من عدم الجدية وعدم الاكتراث.

وكذلك فإنه لم تحسم حتى الآن مسألة الذين ستوجه إليهم دعوات الحضور، رغم أن الوقت يمضي بسرعة ورغم أن الخريف المقبل غدا وكأنه الخريف الحالي، فما هو مؤكد أن الجهات التي ستدعى هي بالإضافة إلى الفلسطينيين والإسرائيليين دول الاعتدال، المملكة العربية السعودية والأردن ومصر، واللجنة الرباعية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا.

ويبدو، على هذا الصعيد، أن مسألة توجيه دعوة، لحضور هذا المؤتمر، إلى كل من سوريا ولبنان لم تحسم بعد، وهناك معلومات مؤكدة بأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) فاتح الأميركيين والإسرائيليين بضرورة حضور هاتين الدولتين العربيتين أولاً لأنه لا يعقل عقد مؤتمر دولي لحل أزمة الشرق الأوسط ولا تحضر هاتان الدولتان اللتان لا تزال بعض أراضيهما محتلة، وثانياً لأن عدم حضورهما سيعطي انطباعا بأن المقصود هو التوصل إلى حلٍّ منفرد فقط على صعيد القضية الفلسطينية.

لم يحسم هذا الأمر بعد ولم يُعرف، حتى الآن، ما إذا كان حضور هذا المؤتمر سيكون على مستوى رؤساء الدول أم على مستوى كبار الموظفين والأطقم الفنية، وأيضاً لم يُعرف حتى الآن ما إذا كان الأوروبيون سيؤيدون حضور سوريا أم أنهم سيربطون مثل هذا الحضور، وكالعادة، بالانفراج المطلوب على الساحة اللبنانية وهناك، إزاء كل هذا، معلومات تقول ان الرئيس جورج بوش أبلغ أحد المسؤولين العرب بأنه حتى إذا دعيت دمشق، فإن الأميركيين لن يتحدثوا مع السوريين الذين سيحضرون مؤتمر الخريف المقبل، والواضح أن هذا ينطبق أيضاً على أيهودا أولمرت وعلى الإسرائيليين.

والمعروف هنا أن سوريا كانت أعلنت على لسان أحد كبار المسؤولين فيها، أنها لن تحضر هذا المؤتمر حتى وإن هي دعيت إليه لكن الأميركيين، وهذا قالوه لبعض الأطراف العربية، يعتبرون أن هذا الرفض المسبق هو من قبيل المناورة وحتى يسود انطباع منذ الآن أن في يد دمشق أوراقاً قوية، وأن سبب فشل هذا المؤتمر في حال فشله هو الغياب السوري وهو عدم إمكانية مرور «الحلول الانفرادية»!!

وحقيقة أنه لا يمكن أخذ هذا الرفض السوري «المسبق» على محمل الجد، بل وهو لا يمكن أخذه إلا على أنه من قبيل الحيطة والحذر، وبحيث إذا لم توجه الدعوة إليها تبادر سوريا إلى التباهي بأن «الممانعة» جاءت من قبلها وأنها رفضت الحضور لأنه لا توجد أي ضمانات بأن يكون هذا المؤتمر جاداً، وأن يتوصل إلى ما يمكن اعتباره خطوات فعلية على طريق الحل الشامل المنشود لقضية الشرق الأوسط على المسارات كلها، ومن ضمنها مسار هضبة الجولان السورية المحتلة. لا يمكن أخذ هذا الرفض السوري «المسبق» على محمل الجد فسوريا، التي تقيم حفلات الأفراح والليالي الملاح عندما يزورها موظف أميركي من الدرجة العاشرة، وفي إطار لقاءٍ إقليمي فنيٍّ يتعلق بالمأزق العراقي أو باللاجئين العراقيين، لا يمكن أن تضيع فرصة كهذه الفرصة، هذا إن هي دُعيت، فهي في حقيقة الأمر تشعر بالعزلة رغم تحالفها الاستراتيجي مع إيران ورغم علاقاتها مع «قطر» التي من المعروف أن أسبابها استفزاز الآخرين، وليس الحرص على وحدة المواقف العربية.

إن هذه مسألة، أما المسألة الأخرى فهي أن مؤتمر الخريف المقبل، الذي لم يجر تحديد موعده من قبل الداعين إليه بصورة نهائية والذي لم توجه دعوات حضوره حتى إلى الأطراف الأساسية «الفلسطينيون والإسرائيليون ودول الاعتدال العربي واللجنة الرباعية»، لم يتم الإعداد له الإعداد الذي يضمن نجاحه ولو في الحدود الدنيا إذْ حتى الآن فإن «إطار العمل»، الذي كانت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، التي من المقرر أن تصل إلى المنطقة في زيارة جديدة بعد أيام، قد طالبت الفلسطينيين والإسرائيليين بضرورة تجهيزه والاتفاق عليه قبل موعد انعقاد هذا المؤتمر لا يزال في عالم الغيب ولا يزال بانتظار التفاوض الجاد الذي لا بد منه، حتى يكون هناك إطار عمل فعلي.

في اللقاء الفلسطيني ـ الإسرائيلي الأخير الذي تم في القدس قبل أيام، جرى التطرق لجميع الأمور العالقة كالحدود والمستوطنات والجدار العازل واللاجئين والقدس والأسرى والمبعدين، وهناك معلومات على جانب كبير من الصحة، تشير إلى أن الاجتماع المغلق بين «أبو مازن» وأيهود أولمرت الذي تم على هامش هذا اللقاء والذي استمر لأكثر من ساعة، تناول قضايا أساسية مثل الممر الحر المقترح بين غزة والضفة الغربية ومثل المبادئ التي ستحكم تبادل الأراضي التي سيتم تبادلها بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية.

وتقول المعلومات، التي هي على جانب كبير من الصحة، إن محمود عباس (أبو مازن) وأيهود أولمرت قد تحاورا وربما تفاوضا، في هذا اللقاء المغلق الآنف الذكر، حتى على نسبة الأرض التي تقام عليها المستوطنات في الضفة الغربية، وحسب هذه المعلومات، فإن الرئيس الفلسطيني أصر على استعادة خمس وتسعين في المائة من الأراضي المحتلة، مع إخضاع ما تبقى وهو (5%) إلى مبدأ التبادل وعلى أن تكون نسبة بـ (1.7%) التي هي نسبة هذه المستوطنات ضمن هذه النسبة.

إن هذا معناه أن هناك بعض التقدم الذي تم إحرازه في اللقاءات الفلسطينية ـ الإسرائيلية التي أجريت بعد زيارة رايس الأخيرة إلى المنطقة، لكن هذا يبقى بحاجة إلى دعم عربي عاجل ما دام أن هذا المؤتمر، مؤتمر الخريف المقبل، سينعقد على أساس مبادرة السلام العربية المعروفة المستندة إلى قرارات الشرعية الدولية والى «خارطة الطريق» والى ما قاله الرئيس الأميركي أكثر مـن مرة وأكد فيه على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، قابلة للحياة ومتصلة الحدود، إلى جانب الدولة الإسرائيلية.

إذا لم يتحرك العرب بسرعة ويعملوا على دعم الفلسطينيين والإسرائيليين لإنجاز «إطار العمل»، الذي من المفترض أن يقدموه إلى مؤتمر الخريف المقبل، فإن هذا المؤتمر سيفشل بالتأكيد، ويقيناً أنه إذا فشل هذا المؤتمر، الذي يعتبر مؤتمراً دولياً، فإن هذه المنطقة ستدخل نفقاً مظلماً جديداً، وأن المتطرفين سيلجأون إلى التصعيد وأن حلف «فسطاط الممانعة» الذي تشكل إيران عموده الرئيسي سيندفع في هجوم كاسح جديد ليس في العراق ولبنان وفلسطين فحَسبْ، بل وأيضاً في دول عربية ترشحها أوضاعها لمثل هذا الهجوم.

هناك الآن تحرك أردني ـ سعودي ـ مصري في هذا الاتجاه، وهناك الآن تقدم حقيقي على مسار المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية العلنية والسرية، لكن ومع ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الوقت يمضي بسرعة ضوئية وأن التحديات كثيرة وقد تطرأ مفاجأة مُعطِّلةٌ في أي لحظة، وهذا يعني انه لا بد من تأطير هذا التحرك وجدولته وتنسيقه مع التحركات الأميركية والأوروبية المتعلقة بهذا الأمر، وأيضاً مع اللقاءات المتواصلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي هدفها التوصل إلى «إطار العمل» المطلوب الذي بدونه سيكون الفشل الذريع حتمياً بالنسبة لهذا المؤتمر، الذي إن هو فشل، فإن توفير البديل يحتاج إلى سنوات طويلة.

لا يجوز التراخي في هذه الأمر، فالمتطرفون إن على الجانب العربي ـ الإسلامي وإن على الجانب الإسرائيلي ـ ينتظرون وجاهزون وفشل مؤتمر الخريف المقبل لن يكون بمثابة كارثة للسلطة الوطنية وللفلسطينيين فقط، بل سيكون كارثة بالنسبة للمنطقة كلها خاصة، وأنه سينعقد على أساس مبادرة السلام العربية التي هي مبادرة المعتدلين في حقيقة الأمر، والتي يسعى بعض الذين وافقوا عليها في قمة بيروت الشهيرة من قبيل «التقيَّة» لإسقاطها وإفشالها لأن إسقاطها، وإفشالها سيكون بمثابة صبِّ القمح في «طاحونة» المتطرفين في المنطقة وعلى رأسهم رفاق وإخوة «فسطاط الممانعة»!!