مؤتمر بوش: الذهاب إلى الفشل بأعين مفتوحة

TT

واجه المؤتمر الذي دعا إليه الرئيس جورج بوش في شهر تشرين الثاني المقبل، من أجل البحث في حل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، معارضة من أطراف عدة، بينها سوريا وحماس وحزب الله وإيران. قالوا إن هذا المؤتمر لن يخدم القضية الفلسطينية، بسبب السياسة الأميركية أولا، وبسبب الدعم الأميركي للسياسة الإسرائيلية ثانيا.

اليوم، تتراجع المعارضة من هذا الجانب، وتبرز في وجه المؤتمر معارضة من المؤيدين له، من إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ومن دول الجامعة العربية التي قالت إن خطاب بوش الداعي للمؤتمر تضمن نقاطا إيجابية يمكن البناء عليها. وتتضمن هذه المعارضة مفارقة من نوع خاص. فقد اعتدنا أن تبدأ الخلافات في المؤتمرات بعد انعقادها، وعندما تبدأ المفاوضات ويتضح الاختلاف أو التناقض بين وجهات النظر. أما ما نشهده الآن فهو أن الخلاف يبدأ قبل انعقاد المؤتمر، ويتركز الخلاف أساسا حول جدول الأعمال.. حول العنوان.. حول المبدأ.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس، واحد من أشد المتحمسين للمؤتمر، فهو يرفض المقاومة المسلحة للاحتلال، وهو يصر على مبدأ التفاوض فقط، وهو معروف بالاعتدال، ويمتدحه الأميركيون والإسرائيليون بسبب هذا الاعتدال بالذات. ومع كل هذا فقد أصبح الرئيس عباس من أشد المتخوفين من عقد المؤتمر. قال في تصريح صحافي له (يوم 29/8/2007) بعد لقاء تشاوري بينه وبين ملك الأردن «إن الحديث تطرق إلى اللقاء الدولي، وهو حتى الآن غير واضح في ثلاث قضايا: موعد المؤتمر الذي لم يحدد بعد، ولا نعرف حتى الآن من سيحضر هذا المؤتمر، والنقطة الثالثة تتعلق بمضمون هذا المؤتمر». وحذر من أنه «إذا ذهبنا إلى المؤتمر من دون وضوح لحل ما.. فلا أعتقد أن المؤتمر سيكون مفيدا».

وياسر عبد ربه، بطل التطرف في الاعتدال في (اتفاق جنيف)، قال في اليوم نفسه في رام الله في حديث لإذاعة صوت القدس إن «اللقاء بين عباس واولمرت هو لقاء استطلاع آراء أكثر منه لقاء تفاوضيا». وقال «ما زلنا في مرحلة ما قبل المفاوضات، وما زال الجانب الإسرائيلي يتخذ موقف الحذر، ويطرح معايير وحججا وأسبابا، لعدم التقدم نحو مفاوضات نهائية».

هذا على الجانب الفلسطيني، أما على الجانب الإسرائيلي فإن الصورة لا تقل سوادا. ايهود اولمرت، وبعد جلستي تفاوض منفرد مع محمود عباس، قال «من غير الواضح إمكان الوصول إلى اتفاق مع الفلسطينيين بشأن قيام دولة فلسطينية بحلول شهر تشرين الثاني المقبل». وقال «لست متأكدا إن كنا سنتمكن من ذلك. المحادثات بيننا لم تنضج إلى حد الصياغة، ولا توجد أية مسودة». أما وزيرة خارجيته تسيبي ليفني فقد حاولت تحسين هذا الفشل من خلال رفع شعار «ضرورة خفض التوقعات». قالت «إن توقعات معقولة حول المؤتمر ستخدم كل الأطراف، بينما أهداف غير واقعية ستؤدي إلى التفجير».

ولكن ما هي التوقعات المعقولة، وما هي التوقعات غير المعقولة التي تتحدث عنها إسرائيل؟.

التوقعات المعقولة هي الاكتفاء بصياغة (اتفاق مبادئ) كما تريد إسرائيل. اتفاق مبادئ على غرار اتفاق اوسلو السيئ الذكر. أما التوقعات غير المعقولة، فهي ما يطالب به أبو مازن، ويسميه (اتفاق إطار) يبحث في أسس الحل النهائي الذي يتناول قضايا الحدود والمستوطنات والقدس واللاجئين. وهو ما يريد اولمرت أن يتجنبه.

وهنا تطل برأسها مشكلة إسرائيلية جديدة. فقوى المعارضة الإسرائيلية، وحتى قوى الائتلاف الحكومي، ترفض أن يقدم أولمرت على أي تنازل في القضايا المذكورة، وهي تهدد بإسقاط حكومته إذا فعل، ويأخذ تهديدها منحى يطالب اولمرت بأن يعرض أي مسودة اتفاق مع السلطة الفلسطينية إلى نقاش واتفاق وإقرار، أولا داخل الحكومة حيث الاتفاق صعب، وثانيا داخل حزب «كاديما» الحاكم حيث التناقضات كثيرة، وثالثا داخل الكنيست حيث الاتفاق مستحيل. ومن خلال كتلة الصوف المتشابكة هذه، يتحدث الإعلام الإسرائيلي عن ضعف اولمرت، ويصفونه بأنه عاجز عن صياغة أي اتفاق مع الفلسطينيين، وهم يطلقون الصفات نفسها على الرئيس محمود عباس، ويقولون إنه رئيس ضعيف، ولذلك فإنه عاجز عن تقديم أي تنازل. ويصوغ الإعلام الإسرائيلي الاستنتاجات من هذا الوضع كما يلي «إن تسوية تبدو جيدة جدا لإسرائيل من شأنها أن تدفع إلى انهيار ما تبقى من تأييد لعباس. أما تسوية تبدو جيدة أكثر مما ينبغي للفلسطينيين فستضع اولمرت في مشكلة داخلية صعبة» (ألوف بن ـ «هآرتس»). وخلاصة هذا كله استحالة وصول اولمرت وعباس إلى مسودة اتفاق يكون مقبولا من الطرفين، ويكون مقبولا من العرب الذين سيدعون إلى مؤتمر الخريف، ويكون قادرا بالتالي على إنجاح المؤتمر.

والطريف هنا أنه داخل هذا الإنجاز المتدني من البحث والحوار والاتفاق، فإن الإسرائيليين يتطلعون نحو إنجازات كبيرة. يحلمون بأن تحضر المؤتمر دولة مثل السعودية، وبذلك يتحول المؤتمر من ميدان لحل القضية الفلسطينية إلى ميدان للتطبيع العربي مع إسرائيل، ومن دون أي ثمن. ويشجع الأميركيون الإسرائيليين على أحلام اليقظة هذه. ويروي الإعلام الإسرائيلي أن مسؤولا أميركيا زار إسرائيل (روف دنين ـ مستشار كوندوليزا رايس) وأبلغ المسؤولين فيها أن «مفتاح اللقاء في تشرين الثاني هو السعودية». ولكن الصحيفة الناقلة للنبأ تقول «الولايات المتحدة لا تزال لا تعرف على أي مستوى سيأتي السعوديون، هذا إذا جاؤوا أصلا». وتحدث عن هذا الموضوع ايهود اولمرت نفسه، وقال لوفد أميركي زائر (أعضاء كونغرس برئاسة غاري أكرمان) «يمكنني أن ألتقي ابو مازن في القدس، لا حاجة من أجل هذا إلى السفر لواشنطن. الهدف من لقاء واشنطن هو ضم دول أخرى من المنطقة إلى المسيرة.. مثل السعودية والإمارات».

ومن جانبه، كان الرئيس الفلسطيني معنياً هو أيضا بحضور السعودية. بل هو معني أيضا بحضور سوريا ولبنان حسب تصريحاته العلنية. ولكن الأمور هنا تواجه معضلة لا حل لها. فاولمرت لا يستطيع أن يقدم قبولا لأسس المبادرة العربية (السعودية) تشجعها على الحضور، وعباس لا يستطيع أن يحصل على (اتفاق إطار) يمكنه من إقناع السعودية بالحضور. وإذا تواصلت الأمور على هذا المنوال، فإن مؤتمر الخريف سينبذ أساسا من الراغبين به، وسيواجه بالضرورة فشلا محتما.

ولكن هل ستحتمل واشنطن إعلان فشل مؤتمر دعا إليه الرئيس بوش شخصيا؟

الجواب المنطقي على هذا السؤال هو لا. ولكن الجواب الواقعي يمكن أن يكون نعم، ذلك أن مسيرة الفشل السياسي الأميركي متواصلة منذ سنوات، وفي أكثر من مكان. وقد حاولت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس أن تخترق حلقات هذا الفشل المتوالي بدون نجاح، حتى أن حضورها الشخصي في أي مهمة اصبح حضورا باهتا. وهي ستأتي بعد أيام إلى المنطقة لتراجع مع عباس واولمرت ما أنجزاه، وستجد أن الحصيلة لا شيء. فماذا ستفعل؟ لقد ناضلت طويلا من أجل دعم مواقف إسرائيل. وتلقت طويلا أوامر من بوش أن لا تغضب اولمرت حتى لا تسقط حكومته، وعملت بسبب ذلك طويلا كسيدة صالون بدلا من أن تعمل كوزيرة خارجية. ولا نظن أن شيئا من هذا سيتغير بعد قدومها الجديد إلى المنطقة.

إن المتحمسين الأساسيين للمؤتمر يعملون يوميا من أجل إفشاله. ويعلنون يوميا مخاوفهم من حتمية فشله، ومع ذلك فإنهم يذهبون إلى هذا الفشل بعيون مفتوحة.