صورة الجلاد.. قتيلا

TT

كأنه بات لزاماً وحاجة أيضاً أن نشاهد صور لاعبين أساسيين على الساحة السياسية والأمنية وهم قتلى لنتأكد أنهم انتهوا فعلا!

لم يكن ممكناً حسم قضية نهاية تنظيم «فتح الإسلام» وإعلان انتصار الجيش اللبناني بعد ثلاثة أشهر من المعارك من دون مشاهدة صورة زعيم التنظيم شاكر العبسي قتيلا..

الصورة التي تكرر بثها على الشاشات المحلية والفضائية على نحو مكثف كانت بمثابة الدليل الحاسم لنهاية هذا الفصل الدامي في لبنان رغم النقاش الذي تبع بث تلك الصورة وما إذا كانت لشاكر العبسي أم لقيادي آخر في التنظيم.

بات تعميم صور القتلى على شاشاتنا وصحفنا وجعلها دلالات دامية شائعاً إلى حدّ يستدعي الكثير من النقاش.

طبعاً يحفل التاريخ بصور كثير من الشخصيات إما لحظة إعدامها أو بعد موتها.

لكن بما أننا حديثون في عالم الصورة فنحن لم نناقش فعلياً وظيفة تلك الصور في تشكل وعينا وبالتالي في صياغة آرائنا ومواقفنا من قضايا أساسية نعيشها.

فصورة مثل صورة شاكر العبسي قتيلا وقبله أبو مصعب الزرقاوي وصور صدام حسين لحظة إعدامه وبعدها وصور ولديه عدي وقصي حين قتلا في معارك مع الجيش الأميركي الذي اضطر لإعادة ترميم جثتيهما وتصويرهما أمام الرأي العام حينها بعد ردة الفعل إزاء بث صور جثثهم المشوهة.

في النهاية، فإن ما ثبت في مخيلتنا لشخصيات من هذا النوع هي صورتهم الأخيرة وهم قتلى وهذا ليس بالأمر العابر. فنحن نحتاج لأن نتذكر سير تلك الشخصيات ونعتبر ربما منها ونناقشها وحين يتم تحويلها إلى جثث مشوهة وتثبيت ذلك في وعينا سيجعل من الصعب علينا ربما أن نناقش من دون أن تطاردنا صور جثثهم الدامية.

أياً كان الموقف من شخصيات عنيفة وقاسية مثل شاكر العبسي، وكثيرون غيره، لكن لا بد أن نتفق على الأقل أن موتهم ينهي صفحتهم وبالتالي فإن تصوير جثثهم وبثها على النحو الذي بات شائعاً أمر فيه شيء من الاعتداء على الجثة وعلى الموت نفسه.

بل أكثر من ذلك، إن مثل تلك الصور، وإن كان البعض يراها ضرورية لإثبات نهايتهم وتطمين ضحاياهم بأنهم ماتوا فعلا، هي أيضاً تساهم في تحويلهم إلى أساطير، خصوصاً أن هناك مريدين ومحبين لهم، وإن كنا لا نتفق معهم، لكن رؤية صورة الجاني والقاتل وهو جثة حتماً ستساهم في جعل هؤلاء المريدين ينظرون إليه كضحية.

بموازاة صورة العبسي، لا يسعنا سوى استذكار صور زوجات مقاتلي «فتح الإسلام» وأطفالهم وهم يخرجون من المخيم قبل أيام من انتهاء المعارك. وإذا استعرضنا تاريخنا القريب سنجد أن هناك مجتمعاً بأكمله من زوجات وأبناء شخصيات من طراز شاكر العبسي في مجتمعاتنا.

هؤلاء ضحايا نحتاج أن نفكر فيهم أيضاً، وبث صور أهاليهم قتلى ربما يعزز من احتمال استمرار مآسٍ من هذا النوع.

diana@ asharqalawsat.com