لعيون زينب يصالح الزمن

TT

الشاعر، والناثر، والمذيع، والممثل، والعاطل أحمد فؤاد نجم، الذي وصفه الرئيس السادات بالشاعر البذيء، ووصفه الناقد علي الراعي بالشاعر البندقية، بينه وبين الفقر والفقراء «عشرة، وعيش، وملح»، لذا فإن اختياره سفيرا للفقراء في العالم لم يشكل مفاجأة لأحد، حتى بالنسبة لنجم شخصيا، فلقد قارن بسخرية وتهكم بينه وبين من سبقوه إلى هذه المهمة الجليلة أمثال نلسون مانديلا بأنهم سفراء النوايا الصالحة، أما هو فسفير «النوايا» التي تسند الزير.

يقول أحمد فؤاد نجم في لقاء مع صحيفة «الثورة» السورية: «أنا أحب الحياة، أريد أن أعيشها من أولها إلى آخرها، لا شيء فيها يجعلني استسلم، وها أنا أطرق أبواب الثمانين ولا أزال أمشي وأعيش بين الناس البسطاء، أفرح لهم وأتألم لألمهم، وأعاني كما يعانون.. احتياجاتي شديدة البساطة، آكل عندما أجوع، حاجتي: طعام وشاي وسيجارة، وأنا بذلك من أغنى أغنياء العالم».‏

وهو كذلك حقا، فلقد زرته قبل عدة سنوات في غرفته المتواضعة على سطح إحدى العمارات بمساكن الزلزال بالمقطم لإجراء لقاء صحفي معه.. صعدت إليه بواسطة سلالم ضيقة، فوجدته يلعب «الكوتشينة» خلف سحب من الدخان في تلك الغرفة الضيقة التي سماها مقر مجلس قيادة السطوح، وانتظرت نتيجة تلك المباراة التي انتهت بفوز نجم، وكان علي أن انتظر بعد ذلك وقتا إضافيا آخر حتى يفرغ من «الصهللة» على رأس المهزوم، الذي جمع ما تبعثر من ذاته وغادر الغرفة مطرق الرأس، تلاحقه ضحكات نجم الممزوجة بسعاله.

ليس بالضرورة أن تتفق مع أفكار نجم أو أن تقتنع بآرائه، ولعله هو أيضا لا يضع ضمن حساباته غاية إقناعك، فهو غالبا ما يعبر عن ذاته كظاهرة احتجاج على كل أو جل ما يحيط به من رموز فنية وسياسية وثقافية وإعلامية، بما فيها ذاته شخصيا.. وأذكر يومها أنه على الرغم من إعجابي بعبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، لم استطع أن أقاوم طلقات لسانه وهو يصف الموسيقار عبد الوهاب بأنه سبب تدهور الأغنية العربية، وأن عبد الحليم حافظ كان يمثل سلطة الدولة في ساحة الفن، وأن أم كلثوم أحد مراكز القوى، حتى الشيخ إمام رفيق دربه وسجنه وإبداعه لم يسلم من لسانه..

وحينما أطلت ابنته زينب ـ الطفلة آنذاك ـ من باب الغرفة اكتسب وجه ذلك الرجل المتمرد وداعة الطيور، وهو يبسط لها ذراعيه لترتمي في حنانه، ثم وجه نظراته صوبي وقال: «لعيون زينب يصالح نجم الزمن».

[email protected]