البرلمانات العربية

TT

كنت أكتب في الماضي أن ثمة بلدين عربيين هما الأقرب إلى المنحى الديموقراطي: المغرب والكويت. وقد تابعت في الأيام الأخيرة صحف المغرب وتعليقات الكتاب وأقوال بعض الناس. وخلاصة الأمر أن لا ثقة بأهل البرلمان. فأكثرهم يأخذ أكثر مما يعطي. وبعضهم خامل. وجلهم لا يقدم ولا يؤخر كما هو حال البرلمانات العربية في كهوفها السعيدة ونومها الهانئ.

الذي يمارس شيئا من الديموقراطية والعلاقة مع هموم الناس، هو في صورة عامة، الصحافة المغربية والى حد ما بعض الأحزاب التاريخية. وهي أكثر فعالية وتأثيرا من البرلمان. ومن المؤسف تداعي التجربتين، في المغرب وفي الكويت. وقد ترك ذلك أثرا سيئا في بلدان أخرى. ولا شك أن سوء الممارسة البرلمانية في الكويت سوف ينعكس على التجارب المحتملة في الخليج. فمن يريد تكرار هذا المشهد من الصياح والصراخ واستبدال قضايا المصير بتكلفة حفلات نجوى كرم ومنع حفلات نانسي عجرم. والصياح لا يعطل عمل البرلمان وحده بل عمل الحكومة أيضا. وبدل أن تكون علاقة البرلمان بالحكومة علاقة رقابة ومحاسبة ديموقراطية فقد أصبحت عداء دائما ومباراة في السب والمطاردة حتى السقوط. وأصبح الوزراء يفضلون الاستقالة على المثول أمام هذه الطرق المهينة في الاستجواب. ومنذ سنوات لم تطرح في البرلمان قضية تتعلق بالشأن الوطني أو بالسياسة الوطنية.

فالقضايا الأساسية تمر دون أن يسمع بها البرلمان. وعلى سبيل المثال تحولت الكويت من الدولار إلى اليورو. وهو قرار وجودي، بصرف النظر عن صوابه، بالنسبة لها وبالنسبة إلى مجلس التعاون وبالنسبة إلى علاقة الكويت بأميركا. ومع ذلك لم يتعرض مثل هذا القرار التاريخي للنقاش في مجلس الأمة الذي أدى إلى استقالة عدد من وزراء الإعلام بسبب وجود بعض الكتب في معرض الكتاب السنوي. طبعا قرار استبدال الدولار باليورو يتخذه البنك المركزي الذي يتمتع باستقلالية في دول العالم. ولكن هذا القرار أيضا اتخذه صدام حسين في ذروة المواجهة مع أميركا، واتخذته قبل فترة سورية، لأسباب سياسية واقتصادية معاً. وواضح إن الكويت أفادت اقتصادياً من القرار الجديد. ولكن يظل السؤال، هو كيف يقيم النواب الدنيا في عالم الطرب ولا يطرحون للتقييم قراراً في هذا الحجم؟

ليست الدول هي التي عرضت التجربة البرلمانية، صورية أو حقيقية، للتداعي، وإنما الذين منحوا هذه التجربة. وفي لبنان كانت هناك وجوه برلمانية لكن لم تكن هناك برلمانات. ويستخدم البرلمان الآن لشل الحياة السياسية. ففي كل العالم أكثريات وأقليات إلا في لبنان، حيث الأقلية تقول إنها الشرعية وإن الأكثرية ليست.