باكستان بين شريف ومشرف

TT

نواز شريف، رئيس الوزراء الباكستاني السابق، عاد الى جدة بعد ان فشل في ان يفرض عودته على خصمه الرئيس برويز مشرف الذي قرر إيداعه السجن لولا توسط السعوديين مرة ثانية وإعادته الى الفيللا التي يسكنها في جدة. القصة بين رئيس الوزراء السابق شريف، والرئيس الحالي مشرف، وكذلك رئيسة الوزراء الأسبق بنازير بوتو تتمحور على الخلاف على السلطة، ولن تحل المشكلة سواء دخلوا الانتخابات او منعوا منها. باكستان تعاني من الفشل السياسي منذ تأسيسها، بعد ان فصلها الانجليز عن الهند عام 1947. بخلاف الهند، التي رغم التناحر المستمر بين احزابها، حافظت على سلوك سياسي مستقر جعلها أكبر ديمقراطية في العالم.

ولابد ان نفهم أهم مؤثرات العمل السياسي الباكستاني حتى نعرف طبيعة الخلاف الحالي. النزاع المستديم مع الهند على كشمير، والقنبلة النووية، ومائة وستين مليون نسمة هم سكان باكستان، نصفهم أميون. فمع النزاع والقنبلة، للجيش دور حاسم في الحياة الباكستانية عسكريا ومدنيا. وهو مؤسسة متطورة، استطاعت أن تبني علومَها وسلاحَها النووي سراً حتى أجرت تجربتها عام 98 التي فاجأت العالم. بعد التفجير الاختباري دخل الجنرال مشرف الحياة السياسية، وسط فوضى كانت تعمُّ الساحة السياسية فأجرى انقلابا مدروسا. بعد سنة من الانقلاب منحته المحكمة العليا الشرعية صلاحيات الحكم لثلاث سنوات. ولم يكتف بذلك بل وثقه في استفتاء عام، ثم فعل الشيء نفسه من خلال مجلس الشيوخ.

إلا أن دقات الساعة تقترب من موعد الانتخابات، والذي قرره مشرف نفسه في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، حيث خرجت الاحزاب والاطراف المعارضة تراهن على حظوظها. وفي باكستان، توجد عشرات الاحزاب، ربما ليست بمستوى صَخَبِ نواز وبنازير، ومن بينها حزب للاعب الكريكت السابق عمران خان.

وأهمية مشرف تكمن في كونه يمثل المؤسسة العسكرية، التي ظلت تحكم البلاد مرة في الظل ومرة في النور، على مدار عقود. وكونه يمثل الجيش الأكثر قدرة على حسم القضايا الصعبة مثل مواجهة تنظيم «القاعدة»، والمعارضة المسلحة. ايضا، مشرف هو الوحيد الذي تجرأ على إعلان التهدئة مع الهند، والبحث في حل مشكل كشمير التي استهلكت البلدين لأربعين عاماً. وبالفعل منذ عام 2002 وكشمير أقل عنفاً، والعلاقة مع نيودلهي أكثر دفئاً. كما ان مشرف أنقذ باكستان من العقوبات الدولية، التي ارادت الولايات المتحدة فرضها على باكستان بسبب تطويرها للسلاح النووي. واقنع واشنطن بان باكستان بلد مسؤول لا يمكن مقارنته بنظام ايران. وسمح له بالاحتفاظ بالقنبلة واستمر يطور تقنيته العسكرية بلا اعتراض من المجتمع الدولي، مما فرض على الهند التفاوض والتهدئة. كما ان مشرف، الذي ورث انظمة مدنية فاسدة، يستطيع ان يزعم ان حكومته افضلها أداء وأقلها فساداً. ورغم كل هذه الاوسمة، التي ربما يستحقها مشرف، إلا أنه مطالب بأن يبحث عن صيغة سلمية لتداول السلطة حتى لا تدفع المعارضة بباكستان نحو الهاوية. فكل ما فعله مشرف معرض للخطر بسبب الضوضاء القائمة الآن والفوضى المحتملة لاحقا، وبالتالي عليه ان يقدم حلا للمشكلة اليوم.

[email protected]