شعرة بيضاء وشعرة سوداء ثم الخلع

TT

إنما أردت أن أعرف بالضبط ما الذي يعجب ولا يعجب القراء، اخترت هذه المرة كاتبا سياسيا في «الشرق الأوسط»، وأقبلت على تعليقات القراء.. فبعض القراء ينتهز هذه الفرصة المتاحة ليقول: وقد يكون كلامه بعيدا عن الكاتب، وقراء يستنكرون ما قرأوا، ويرونه أقل مما يجب.. أو أكثر مما يجب أن يقال، أو لا يصح أن يقال.. وقراء مثل لاعبي كرة القدم يشوطون خارج الملعب.. وهم يتمنون أن يكون الكاتب هو الكرة!

فما الذي يحدث؟ الذي يحدث هو أن القارئ يريد أن يكون كاتبا أو أنه لا يرى أن الكاتب يستحق أن يكون كاتبا، والدنيا قد انقلبت؛ القارئ صار كاتبا، والكاتب لا يستحق أن يكون كاتبا, وإنما هي حظوظ..

أما الذي يجعل الكاتب يشتعل غيظا، ويدخن قرفا، ويلعن اليوم الذي ولد فيه.. فهو عندما يقول القارئ: وما فائدة هذا الكلام.. إحنا في ايه وأنت في ايه.. ومعنى ذلك أن الكاتب لم يعد كاتبا، لأنه أفلت من براثن السياسة بعض الوقت، لأن الكاتب ليس سياسيا طول الوقت، فليس كذلك مع زوجته وأولاده والناس، إنه ضاق بالسياسة فهو يريد أن يكون على راحته، لأن القارئ هو أيضا ليس سياسيا طول الوقت فهو يأكل ويشرب ويتزوج ويحب، ولا يمكن أن يكون هذا كله نشاطا سياسيا استراتيجيا أو تكتيكيا!

قرأت تعليقا على مقال لكاتب سياسي كبير ورصين، القارئ يقول: يا أخي وجعت دماغنا ملعون أبو .. وأبو .. وأم .. بالذمة ما الذي يفعله الكاتب الذي عصر دماغه ثم ضربها في الحائط لعل شيئا مفيدا ينزف مع دمه فيرضي القارئ، ولكن القارئ لا يرضى.

ويقال إن رجلا تزوج امرأتين واحدة تصغره بعشرين عاما وواحدة تكبره بعشرين عاما، فإذا ذهب للصغيرة راحت تلتقط الشعر الأبيض من رأسه حتى لا يبدو كبيرا.. فإذا ذهب للكبيرة راحت تلتقط الشعر الأسود حتى لا يبدو صغيرا، وما زالت هذه تلتقط وتلك تلتقط، حتى أصبح رأس الرجل عاريا من الشعر فتنافست الاثنتان في خلعه.. وخلعتاه.

ونحن الكتاب نقاوم الخلع ونرفض الحرية التي لا يكون فيها الكاتب ملعونا من القراء مكروها من الكتاب!