أسامة.. ورجوع «الشيخ» إلى صباه!

TT

لا يظهر أسامة بن لادن، الرمز الأول للجماعات الأصولية الإرهابية، إلا في حالات موسمية، تأتي في مقدمها الذكرى السنوية لهجمات 11 سبتمبر، الانجاز الأكبر للقاعدة وزعيمها.

أسامة ظهر أخيرا، وأسفر عن وجهه بعد طول احتجاب، حيث كان آخر ظهور لوجهه، قبل يوم واحد من إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2004، واعتقد لدى مراقبين حينها أن زعيم «فسطاط» الإيمان، اعني أسامة، قدم خدمة جليلة إلى زعيم الفسطاط الآخر، بوش، بترجيح فوزه في الانتخابات الرئاسية، من خلال تحذير أسامة للشعب الامريكي من انتخابه.

اليوم، وفي الذكرى السادسة لهجمات 11 سبتمبر، والتي اعترف بها زعيم الإرهاب للمرة الألف (هذا فقط لتذكير محترفي الجحود والنكران ممن لا زالوا ينفون مسؤولية القاعدة عن الجريمة). ظهر أسامة بلحية سوداء، وربما مقصوصة الأطراف، وبصوت هادئ، وبلغة أكثر سياسة وأقل زعيقا وتهييجا أصوليا، وإن لم تخل منه بطبيعة الحال.

الشريط الأخير، يحمل رسالة صورة، ورسالة نص، رسالة الصورة التي أراد اسامة إرسالها، هي القوة والتجدد والجلد، من خلال رمزية اللحية السوداء، دلالة الشباب، والصوت الهادئ المسترسل، دلالة الصفاء والهدوء والتصميم...

هذا ما أراده هو، أو ربما من يشير عليه من مريديه، بهذه المظهرية الصورية، وربما أراد التأسي بآخرين سبقوه في لحظات المواجهة، بلفتات من هذا النوع. مثل معاوية بن ابي سفيان، الذي حينما أنهكه المرض، ودخل عليه العائدون الزائرون، وخاف من شماتتهم، أمر من عنده بتطييبه وكحل عينيه وصبغ لحيته، وإسناده وهو جالس، وتمثل بهذا البيت:

وتجلدي للشامتين أريهم

أني لريب الدهر لا أتضعضع!

ويقال إن احد زواره علق على بيته هذا ببيت من نفس قصيدة أبي ذؤيب الهذلي:

وإذا المنية أنشبت أظفارها

ألفيت كل تميمة لاتنفع!

فهل أراد بن لادن إن يظهر تماسكه، وحضوره، المادي والمعنوي، بهذه الصورة/ الرسالة؟!

وهل أظفار النقد والوعي العربي والإسلامي، بوجوب مغادرة التفكير الأصولي ومعانقة العقل والنور، هل هذه الأظفار قد طالت وطيرت تمائم بن لادن ورقى الاصولية؟!

أم أن ذلك أن ذلك منام من المنامات العابرة ؟!

هذا فيما يتصل برسالة الصورة، وأما رسالة النص «البنلادني» الأخير، فهي رسالة «متطورة» قياسا برسائله السابقة التي كانت تحمل لهجة تحد اكبر، وتحليل أقل، وتتسم بزعيق عال حول الصليبية والجهاد وإقامة الاسلام وتكفير الدول والأنظمة، وثقة مطلقة بـ«الثلة المؤمنة» من شباب القاعدة، أو من هم في الطريق إليها، وما أكثرهم!

الخطاب الأخير حمل، ما يظنه بن لادن، تحليلا للوضع الأمريكي في الداخل والخارج، وتعويلا، لم نعتده في الخطاب الأصولي الجهادي، على قيم إنسانية أو تذكيرا بمآس لشعوب وأقليات أخرى، مثل الهنود الحمر في أمريكا، أو قنبلة هيروشيما وناجازاكي.

كذلك حرص، مانح الرؤية القاعدية، على إسداء بعض النصائح للشعب الامريكي والتذكير بأهمية الانتخابات، وفي الطريق انتقد أفلام هوليود، وقال إنها تشوه صورة المجاهدين! هكذا قال... وتحدث عن الشركات العملاقة، وهيمنتها، في نكهة غيفارية، على شيء من لمحات عبد الوهاب المسيري الاسلامية اليسارية.

مبروك، بن لادن يتطور!

لكن أظرف ما في خطاب زعيم القاعدة هو حديث الأرقام والإحصائيات، فحينما تحدث عن الوضع في العراق، وانتقد الأمريكان على تسببهم بارتفاع معدلات الموت، وقال منتقدا النظام الديمقراطي الامريكي: «إنه فشل، ورغم أنّه يتحدث عن العدالة والحرية والمساواة والإنسانية إلا أنّه حاليا دمّر كلّ ذلك وكل المعاني الأخرى بأسلحته... لتعويضها بالخوف والدمار والقتل والجوع والمرض والتهجير وأكثر من مليون يتيم في بغداد وحدها، من دون الإشارة إلى مئات الآلاف من الأرامل. والإحصائيات الأمريكية وحدها تتحدث عن قتل أكثر من 650 ألفا من شعب العراق كنتيجة للحرب وتداعياتها».

هكذا قال، ولكن ومع أن الأمريكان نفسهم كفوه مهمة التحدث عن مسؤولية الجيش الامريكي عن القتل في العراق، وهناك «طفرة» في نقد الحالة الامريكية في العراق، من مجلس النواب الامريكي الى الصحافة الى «هوليود» نفسها التي أغضبت بن لادن، الى المثقفين والنقاد، مع هذا كله، غير أننا نريد من زعيم القاعدة، ومن يعجب به ـ وهم كثر أيضا، إعجابا مستترا، وإعجابا ظاهرا، وإعجابا نصف ظاهر ـ نريد منه، ومن معجبيه، الحديث عن جرائم القاعدة في العراق، وكيف أسهمت في سوق القتل والخراب؟!

سؤال لك يا سيد أسامة بن لادن: هل ساهمت القاعدة في العراق في تنمية القتل وتكريس الخراب، وهل تسببت قنابلها وسياراتها المفخخة، وانتحاريوها، في توسيع حفرة الموت العراقية؟! وهل سقط بسبب أتباعك في العراق، ضحايا، كانوا بجانب احد انتحارييك حينما قرر تفجير الحزام الناسف حوله؟!

إذن، لا تعظ ولا تزايد في قصة القتل في العراق، نريد تصديق حزنك ورهافة حسك على القتلى، ولكن الوقائع اليومية تمنعنا من ذلك.

عنوان هذا المقال هو «رجوع الشيخ إلى صباه» وهو عنوان نص كلاسيكي من نصوص الأدب الجنسي لدى العرب، كتاب ايروتيكي من الأدب السري، يتحدث عن أمور الجنس وأنواع النساء ومهيجات القوة الذكرية، حتى يعيد الحيوية ويرجع «الشيخ الى صباه».

لا ادري لماذا خطر لي هذا العنوان، وأنا أرى مظهر اسامة، وخطابه الأخير، في صورة مشابهة، تقول الكثير، وتخبر أن ما صنع منذ 11 سبتمبر 2001، سنة وقوع الحدث الكبير، إلى 11 سبتمبر اليوم 2007، لم يفلح في كشف الخطر الفكري والسياسي الكبير المحدق بعقل المسلمين وتفكيرهم، جراء الانسياق وراء «بطل» مدمر، مثل زعيم القاعدة.

من يظن أن خطر أسامة والقاعدة والأصولية، وأعني بخطرهما: التفكير بطريقتها، أو قريبا منها، قد زال، أو حتى خف، فهو واهم.

«جل» ما جرى منذ 11 سبتمبر 2001 إلى اليوم، هو إحناء رأس للعاصفة الامريكية، وتجاهل للنقد الداخلي في المجتمعات العربية والمسلمة، حتى «تعدي الأمور» ومن ثم لا تغيير ولا تجديد، ولا هم يحزنون، وابن لادن والقاعدة «شرذمة قليلون» وهناك مؤامرة صليبية يهودية على المسلمين...

وماذا ايضا ؟!

نعم، مسألة مصيرية: رسوم كرتون مسيئة للإسلام في صحيفة دنماركية وأخرى سويدية (أظنها سويدية!)... وانتهينا.

حتى «الفنان الجماهيري» شعبان عبد الرحيم يعتقد أن اسامة بن لادن بطل ومحق، ولذلك عبر باسم الجماهير العربية الغفيرة وقال:

«أنا بحيي بن لادن على البرج اللي تضرب

وعاوزين ضربة ثانية تفرح العرب».

هذا ما يرجوه شعبان، وعلى ذمته أن العرب يريدون فرحة ثانية، ربما تجهز أسامة لهذا الفرح بالمظهر المتشبب، حتى يعيد الجميع إلى صباهم...

[email protected]