في محاولة منها لوصف الهجمات التي شهدتها نيويورك وواشنطن قبل ستة أعوام، قالت وكالات الأنباء إنها تؤرخ لأسود يوم في تاريخ أمريكا. ولكن المتأمل في حصاد العمليات الإرهابية وعدد القتلى والضحايا، بعد مرور اكثر من نصف عقد على تاريخ أحداث 11 سبتمبر 2001، يجد نفسه مضطرا لإجراء تصويب جزئي على وصف وكالات الأنباء، فيصبح التعبير الأكثر دقة هو أن ذلك التاريخ الذي هز العالم يعد أسود يوم في تاريخ العالم منذ بداية القرن الحالي، باعتبار أن تداعياته شملت الجميع دون استثناء. بل أن هذه التداعيات في توسع وتراكم متواصلين وجعلت كل العالم يدور في حلقة مفرغة، شعارها الحرب على الإرهاب.
ويتأكد اليوم في الذكرى السادسة لقرار المحافظين الجدد، شن الحرب الضروس على الارهاب، عمق فشل إدارة بوش ـ تشيني في تنفيذ القرار حيث ان ظاهرة الإرهاب تأججت وتوسعت وازدادت تعقيدا، من ذلك أن المخططات الارهابية متواصلة وآخرها ما تم إحباطه في الدنمارك وألمانيا وأيضا الهجوم الانتحاري الذي كان يستهدف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. بل يمكن القول إنه خلال العام الأخير نشطت حركة الارهاب وتزايد نسلها بشكل قوي وذلك على غرار ظهور ما يسمى بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، بالإضافة الى دلائل عديدة تشير الى أن القاعدة وطالبان تعيدان تنظيم صفوفهما، بما يعني أن عودهما ما زال يقاوم ولا يزال قويا ويمتلك أرصدة للضخ كلما ظهرت علامات التهاوي.
ونعلم جميعا أن الحرب المشار إليها تعهدت واثقة بالقضاء على أسامة بن لادن والإرهاب في العراق من خلال تطبيق نظرية الدومينو وتحويل العراق الى واحة للديمقراطية ونموذج للأمن والسلام. وبلغت الثقة بالمحافظين الجدد الى وضع العالم في عنق زجاجة وتخييره بين أن يكون إما معهم أو ضدهم. وها هي الحرب على الارهاب تبلغ من العمر ما تجاوز الحد والقدرة على التحمل، دون تحقيق لأي هدف أو جني لأي ثمرة واحدة حتى ولو كان بعضها متعفنا. فبعد ست سنوات من الأخطاء الجسيمة التي اقترفتها قوات التحالف وتلك الجرائم التي لا تحصى ولا تعد والتي عبثت بإنسانية الانسان العراقي وأشهرها فضيحة أبو غريب، نجد أن الغيوم السوداء الداكنة في تلبد مستمر، الشيء الذي يعني أن الواقع يتجاوز مسألة أن مهمة الحرب على الارهاب لم تنجز، بل أن التازم في حالة تفريخ لأزمات متعددة وخطيرة.
وعلاوة على أن الولايات المتحدة التي خاضت الحرب رغبة في الانتقام لصورتها، قد ضاعفت من خسارتها عندما أطاحت بنفسها بصورة جيشها الذي ـ كان ـ لا يقهر، دون أن ننسى أكذوبة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشاملة التي استخدمتها حجة لغزو العراق.. علاوة على هاتين النقطتين وغيرهما، فإن التقارير الصادرة عن مراكز البحوث الاقتصادية بدأت تطلق صيحات الفزع بسبب الركود الخطير الذي سيتعرض له الاقتصاد العالمي والذي يهدد بإعادة كل العالم الى الثلاثينيات من القرن الماضي حيث كانت الأجواء في تلك الفترة أحد أسباب اندلاع الحرب العالمية الثانية. ولعل أخطر أزمة تخبط فيها العالم في السنوات الست الأخيرة ولا يزال، الخلط العشوائي بين الارهاب والإسلام، إذ أن استعمال جورج بوش لعبارة الفاشية الاسلامية وشعور ملايين المسلمين أنهم هم المستهدفون من هذه الحرب، قد عزز اليقين لدى أغلب الجماعات الدينية وكذلك في صفوف عريضة من الشباب العربي والمسلم، بأن حرب المحافظين الجدد هي في حقيقتها على العالم الاسلامي، وهو ما جعل بعض شبابنا لقمة سائغة لغسيل الدماغ من طرف الجماعات المتطرفة التي تستقطبهم لفداء الاسلام.
ولا ننسى في هذه الذكرى السادسة لأحداث تاريخ 11 سبتمبر 2001 التذكير بالأزمة التي حصلت بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وذلك بسبب انتماء عدد من منفذي التفجيرات الى السعودية. ومما يثير الاستغراب ساعتها لدى إدارة بوش هو تحول المملكة العربية السعودية من صديق تقليدي وعريق للولايات المتحدة الى بلد منتج للإرهاب. وفي الحقيقة خلال هذه السنوات الست، بذلت النخبة السياسية الحاكمة في المملكة جهودا على أكثر من صعيد لتصحيح الصورة الخاطئة التي انطبعت عنها. زد على ذلك أن الدور الرئيسي للمملكة في كل ما له علاقة بالمسلمين بحكم أنها قبلة كل المسلمين، جعل كل ما يصدر عن المسلمين تتحمل بالمعنى الأخلاقي تبعاته حقا كان أو باطلا وتأخذ على عاتقها بفضل ما لديها من كفاءات دينية عالمة وحنكة سياسية مهمة تصحيح صورة الاسلام والمسلمين. وإضافة الى ذلك قدمت مبادرة عربية للسلام لاقت القبول وذلك في إطار التفكير في كيفية القضاء على الصراع العربي الاسرائيلي، الذي يشكل أكبر منتج للعنف ولليأس وللانتحار وبالتالي للإرهاب. ورغم كل هذه الجهود وغيرها لإطفاء الحرائق التي اندلعت والأخرى الممكنة في العالم الاسلامي طيلة السنوات الست الأخيرة، فإن الحرب على الارهاب متواصلة بكل عشوائية وكيفما اتفق دون تمييز بين مسلم وإرهابي ودون تفكير حكيم يليق بأقوى دولة في العالم في أسباب ظاهرة الارهاب وكيفية معالجتها سياسيا واقتصاديا وثقافيا وأخلاقيا.