عام جديد إضافي على 11 سبتمبر.. أين العالم والمنطقة من ذلك؟

TT

يقول المحللون إن الولايات المتحدة كانت مع الرئيس بيل كلينتون قوية جدا، لكن من دون شهية لعرض قوتها التي لا حدود لها، حتى ولو خاض كلينتون الكثير من المغامرات العسكرية، فهو ركز على الاقتصاد تحت شعار: «إنه الاقتصاد أيها الغبي». ويقول مستشار الأمن القومي السابق زبيغنيو بريجنسكي في كتابه الأخير«الفرصة الثانية» إن الرئيس بوش الابن يتمتع بعزم قوي، لكن من دون معرفة عميقة بالتعقيدات الدولية، مع عقلية ومزاج هما اقرب ما يمكن إلى الدوغماتية.

لكن الأكيد، أن بوش كان قد أعلن بعد كارثة 11 سبتمبر، انه رئيس أمة تخوض حربا عالمية على الإرهاب. وهو أيضا، وكما أكثر الرؤساء الأميركيين كان قد أصدر عقيدته الاستباقية، واستراتيجية الأمن القومي الأميركي، والتي على أساسها ضبط العسكر الأميركي ساعته لبدء استعمال ما يملك.

ولأن عالم ما بعد سقوط الدبّ الروسي مختلف عما كان أيام العالم الثنائي القطب، فإن عالم ما بعد 11 سبتمبر، هو حتما ليس كعالم ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. كذلك، فإن عالم ما بعد العراق والتعثّر فيه، هو حتما ليس العالم الذي عايشناه مباشرة بعد كارثة 11 سبتمبر.

فماذا عن بعض ملامح عالم اليوم؟

لا بد أن كارثة 11 سبتمبر، كانت الشرارة التي أطلقت العنان للمشروع الأميركي في العالم بشكل عام، وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص.

وإذا كان فارق القوة بين أميركا منفردة وكل منافسيها مجتمعين، هو فارق كبير جدا، فإنه لا بد لهذا المقدر من القوة ان يبرز نفسه في مكان ما، خاصة ان الطبيعة تكره الفراغ حسب ما علمنا التاريخ.

تجسد عرض القوة منذ 11 سبتمبر في كل من: أفغانستان لضرب ملاذ تنظيم القاعدة، العراق، الثورات في محيط روسيا المُباشر، مع ليبيا، كوريا الشمالية، إلغاء معاهدات كثيرة، نشر شبكة مضادة للصواريخ في محيط روسيا، بدء تنظيم الأقاليم حسب معايير موازين القوى. وأخيرا وليس آخرا، بدء الاهتمام الأميركي بالقارة السوداء خاصة بعد إعلان إنشاء قيادة عسكرية خاصة بها على غرار القيادة الوسطى.

في ما خصّ الإرهاب:

* لا يزال الرئيس الأميركي يعتبر ان هناك ضرورة للحرب على الإرهاب، وذلك بعكس ما يعتقد الكثير من المفكرين والسياسيين ان مكافحة الإرهاب تكون بعمل بوليسي ـ استخباراتي بحت، وذلك من خلال التعاون الوثيق بين الدول في هذا المجال. كما لا يزال الرئيس الأميركي يعتبر أن خطر الإرهاب، هو خطر استراتيجي على الأمن القومي الأميركي. لكن الجدير ذكره هنا، انه لا يمكن خوض الحرب على الإرهاب، لأن الإرهاب ليس عدوا بحد ذاته، إنما هو طريقة قتال قد تستعملها حتى الدول المُعترف بها.

* بعد أفغانستان والعراق، تحولت القاعدة من تنظيم إلى حركة منتشرة في كل العالم، وبشكل لا مركزي متقدم جدا. كذلك، لم تعد العمليات الإرهابية تُقاد من القيادة المركزية حيث بن لادن، إنما أصبحت تخوضها مجموعات إقليمية.

* وأخيرا وليس آخرا، ما نراه اليوم من القاعدة هو القيادات من الجيل الثالث. كان الجيل الأول مع بن لادن والظواهري، الجيل الثاني مع الزرقاوي في العراق. أما الجيل الثالث، فقد يكون ما رأيناه مع فتح الإسلام وشاكر العبسي في مخيم نهر البارد في لبنان.

في ما خصّ شكل النظام العالمي:

* لا تزال الولايات المتحدة الاولى بين متساوين، حتى ولو بدأنا نشهد سلوكيات توحي بأن العالم بدأ يتحول إلى عالم متعدد الأقطاب. لكنّ عالما كهذا يستلزم تحققه وقتا طويلا. ومن الضروري ان يتقدم البعض لتحدي القوة المهيمنة. او بشكل آخر، تشكل تحالف من العديد من الدول للتحدي. كل هذا ليس متوافرا اليوم.

* لكن عدم توافر أسس قيام نظام عالمي متعدد الأقطاب، لا يعني أبدا انه لا توجد ملامح لذلك. فروسيا اليوم تقود هذه المغامرة. والرئيس بوتين يسعى لاستعادة السيطرة على محيط روسيا المباشر، وطرد أميركا منه كما في جورجيا وأوكرانيا. وهو كان قد وصف أميركا بالرايخ الثالث. كما هدد بنشر صواريخ نووية في بيلاروسيا. وأخيرا وليس آخرا، يسعى بوتين للسيطرة على امن الطاقة لكل أوروبا عبر اكبر شركة روسية للغاز في العالم غازبروم.

* يسعى بوتين أيضا إلى تفعيل منظمة شنغهاي للتعاون والتي تضم إلى جانب روسيا الصين، وغالبية دول آسيا الوسطى، بالإضافة إلى كل من الهند وإيران كعضوين مراقبين. وبنظرة جيوبوليتيكية على امتداد هذه الدول جغرافيا في القارة الآسيوية، يمكننا استنتاج هدف هذه المنظمة، ألا وهو طرد أميركا من القارة، لكن التجسد الفعلي لذلك قد يكون بعيد الأمد.

أخيرا وليس آخرا، ولأن أميركا هي الاولى بين متساوين، فإن حال الإدارة الأميركية، أي قوة الرئيس الأميركي أو ضعفه، هي أمر مهم بالنسبة الى تشكل النظام العالمي. فعندما يكون الرئيس ضعيفا، فإن حرية الحركة للقوة المنافسة تكون اكبر. والعكس صحيح. وفي هذا الإطار، يبدو بوش اليوم في اضعف مستوى منذ توليه الرئاسة، الأمر الذي يقيد حركته خاصة في مجال السياسة الخارجية. وقد يكون العراق وما حدث ويحدث فيه، السبب الرئيسي لإيصال بوش الى هذا الوضع. فماذا عن الإقليم الشرق أوسطي؟

من الأكيد أن الشرق الأوسط الكبير الذي حلم به بوش لن يتحقق لأسباب عديدة، أهمها قصر الوقت أمام بوش وعدم القدرة العسكرية على فرضه بالقوة. كذلك، هذا الشرق لن يكون حتما كما يريده مرشد الثورة الإسلامية آية الله خامنئي. إذاً المرحلة المقبلة هي مرحلة عض أصابع وفعل ورد فعل للوصول إلى توازن ما يُحدد قواعد اللعبة الشرق أوسطية.

وبعد ستة أعوام على 11 سبتمبر، وأربع سنوات على غزو العراق، وبعد التعثر الأميركي في العراق، برزت إيران كقوة إقليمية كبرى لتتحدى القوة الكبرى في العالم والمنطقة. كما بدت المنطقة ودولها موزعة على محاور قيد التشكل. وأخيرا يكمن الخطر الأكبر في أن يتظهر الصراع بين شعوب المنطقة على أساس مذهبي.

وقد تتعقد اللعبة الإقليمية أكثر عند عودة الصراع الدولي على هذه المنطقة. وبدأت ملامح هذه العودة مع روسيا، لكنها حتى الآن تبدو خجولة. لذلك يجب هنا على دول المنطقة وقياداتها أن تعي أن ثمن الصراعات الكبرى في المنطقة ستدفعه شعوب هذه المنطقة.

أما في ما خص طبيعة القوة العسكرية الأميركية فيجدر القول انه بعد فيتنام، بنت أميركا قدراتها العسكرية على أسس تكنولوجية حديثة تقوم على مبدأ القوة النارية الكثيفة لكن الذكية، وعلى مبدأي السيطرة الجوية المطلقة والسيطرة على عالم المعلومات. وبذلك، سيبدو الجيش الأميركي وكأنه جيش ما بعد الحداثة.

وأثبتت أميركا هذه النظرية في يوغوسلافيا وحرب الخليج الاولى والحرب على أفغانستان، وكذلك في حرب إطاحة نظام صدام حسين.

ثم أتت الصدمة الكبرى في التعثر في العراق لتتظهر الطريقة الجديدة لأعداء أميركا في كيفية قتالها. في العراق، اضطرت أميركا للعودة إلى حروب ما قبل الحداثة، حيث العالم الثقافي الحضاري هو عامل الحسم.

في الختام، وإذا كان عالم اليوم يدور حول ما ستنتجه الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة. فمن الضروري وفق متطلبات الفكر الاستراتيجي، أن تكون الاستراتيجية مرتكزة على الأسس الآتية: أن تكون مقبولة، ممكنة ومناسبة. فهل هذا متوافر في المقاربة الأميركية؟ بالطبع كلا لأن النتائج واضحة. إذاً لا بد من التعديل، على أن يكون التعديل للخروج من الحفرة، وليس للبقاء فيها. مع بوش هذا غير ممكن. لذلك ينتظر العالم الامبراطور الأميركي ـ الروماني الجديد.

* كاتب وباحث استراتيجي لبناني