هل فقدت أشرطة بن لادن سحرها؟

TT

مع أن المطلوب الأول في العالم غاب طويلا عن التلفزيون، حيث كان ظهوره الأخير هو الأول منذ سنتين، إلا أن اطلالته مرت حدثا عاديا، بعد أن كان أكثر الأخبار إثارة للضجة، وأكثر جذبا للمشاهدين في أنحاء العالم. السبب الرئيسي، في نظري، أن بن لادن وعد بالكثير خلال السنوات التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، لكنه لم ينفذ شيئا مهما منذ ذلك العرض الإرهابي المبهر الذي هدم فيه ناطحتي برجي التجارة في نيويورك ودمر جزءا من مبنى البنتاغون في واشنطن. في الحادي عشر وضع بن لادن لنفسه، ولتنظيمه القاعدة، مواصفات غير عادية في التدمير ضمن الحرب التي أعلنها على الغرب وضد حكومات إسلامية، لكنه لم يستطع. وأنا اعتقد ان هذه معضلته اليوم، لأن القاعدة فشلت في تنفيذ عمل مثير منذ الحادي عشر، حيث احبطت كل عملياتها الكبيرة التي خططت لها، باستثناء تفجيرات متوازية في اماكن متعددة من العالم.

لكن لا بد من الاعتراف بأن القاعدة نجحت افقيا في توسيع دائرة الارهاب في العالم من اندونيسيا الى اسبانيا، لكنها عجزت عن تقديم المثير كما فعلت في نيويورك وواشنطن. بل ان القاعدة عمليا فشلت في تنفيذ اي عملية في عرض الولايات المتحدة، رغم كثرة وعيدها، والسبب يعود كله الى الاجراءات الأميركية الأمنية الصارمة.

تحولت أشرطة بن لادن، الصوتية والمصورة، وكذلك تصريحات رفيقه ايمن الظواهري، الى تحليلات سياسية مملة تكتظ بمثلها المنتديات الالكترونية والمحطات التلفزيونية، حتى بلغ الأمر بابن لادن الى الحديث عن التوازنات السياسية في العراق، بل وحتى مشكلة الاحتباس الحراري، أو العودة الى ارشيف عمليته في الحادي عشر من سبتمبر. ولا شك أن تنظيم القاعدة بقي حيا رغم الملاحقة، ويتنبأ له خصومه بأن يعيش هكذا عشر سنوات أخرى، انما يعاني الكثير في جاذبيته ودعايته. وككل النشاطات المرتبطة بالدعاية، فالتنظيم يعيش ويموت من خلال الدعاية الاعلامية، وهو الآن صار مثل أي برنامج تلفزيوني قديم استهلك شعبيته، أعني الذين يهتمون بمتابعته سواء عن كره أو اعجاب.

فالأشرطة التنظيرية، والعمليات الأفقية العادية، وتكرار نفس الدعاية الصوتية، تفقد التنظيم سر وجوده تدريجيا، في التجنيد والتمويل والشعبية داخل المجتمعات التي تؤيده. لكنه سيبقى تنظيما سريا قويا منتشرا مستفيدا من الأزمات في العالم، ولن ينضب معينه من افكار تدميرية ومتطوعين لتنفيذها. والعدد ليس مهما، بل النوعية، لأن عمليته في الحادي عشر نفذها بتسعة عشر مجندا فقط، وحقق ما تعجز عنه جيوش كبيرة.

الإرهاب يحتاج الى عدد قليل، وشجاعة فائقة، وخطة محكمة، كونه يستهدف العزل من المدنيين، كما حدث بخطف الطائرات الاربع في تلك العملية. ولأن بن لادن وسع عمليات القاعدة جغرافيا فقد ضيق على جماعاته، حيث كثرت الأجهزة الأمنية والحكومات التي تطاردهم، ولم يعد سهلا عليهم التنقل، أو عقد صفقات سرية، أو الاستفادة من الخلافات بين الدول.

[email protected]