في العراق نهدر عقولنا ومستقبلنا.. الصين لا تفعل ذلك

TT

شيء رائع أن يصل المرء بلدا لا يذكر العراق فيه أبدا. مع ذلك يكون هذا الشعور مغلفا بقدر من التوتر حينما يكون هذا البلد حاليا أكبر منافس للولايات المتحدة من الناحية الجغرافية والاقتصادية: إنه الصين.

كم يبدو جميلا أن يكون البلد قوة عظمى ومركزا في الوقت نفسه كل جهوده من أجل حل المشاكل المحلية؟

لكنني لست من دعاة الانعزالية فللولايات المتحدة خصوم حقيقيون بعكس الصين ولذلك علينا أن نوازن دورا يتعلق بالأمن العالمي في أماكن مثل الشرق الأوسط مع المتطلبات المحلية.

لكن هناك شيئا غير متوازن مع أميركا. ففي الوقت الذي قضت الصين السنوات الست الأخيرة وهي تتهيأ للألعاب الأولمبية، غرقنا نحن في الديون التي انفقناها على أجهزة آي بود و«القاعدة».

حاولنا بعد 11 سبتمبر أن نغير في قلب العالم العربي المسلم عن طريق محاولة إنشاء حكومة تقدمية في بغداد. وأنا مقتنع أن هناك منطقا استراتيجيا وأخلاقيا لتحقيق هذا الهدف. لكن الاستراتيجية فشلت لملايين الأسباب والآن حان الوقت للاعتراف بأن علينا أن نركز على معرفة الكيفية التي تمكننا من عزل انفسنا من حالة عدم الاستقرار في ذلك العالم عن طريق سياسة طاقة حقيقية كبداية وكيف نحمي مصالحنا الأمنية هناك بطرق أكثر نجاعة وكيفية العودة إلى تطوير بلدنا.

لكن الآن يجب أن يكون واضحا أن العراق في طريقه لأن يصبح شيئا آخر. فنحن لم يكن في حوزتنا عدد كاف من القوات كي نصوغ العراق وفق صورتنا. نحن ببساطة لن نتمكن من تكريس جنود ومصادر أميركية كثيرة في العراق والعراقيون سيتعلمون ذات يوم كيفية العيش معا من دون قمع صدام ومن دون حمايتنا لهم.

لذلك إما أن نحصل على مساعدة من أطراف أخرى في العراق أو ننسحب. وإذا كان الرئيس بوش ما زال مقتنعا أن بقاءنا هناك سيجعل المستقبل مختلفا للعراق فإنه بحاجة إلى طلب المساعدة من بعض الحلفاء لأن الشعب الأميركي سيكون عاجزا عن تحمل المسؤولية لوحده على رهان يرى أن هناك إمكانية لبناء شيء ذي قيمة في العراق.

ساعدت زيادة القوات الأميركية الأخيرة في تحقيق هدوء للعراق لأن أكثرية السنة أدركت أنها خسرت وأن كلا الطرفين المتطرفين: القريب من القاعدة والآخر القريب من الشيعة المتطرفين، هما أكثر خطورة عليها من الأميركيين الذين ظلوا يطلقون النار عليهم.

حالما نبدأ بالانسحاب سيبدأ العراقيون بحساب مصالحهم بشكل دقيق. وقد يقررون إنهم بحاجة إلى أنهار دم أخرى لكن الاحتمال الأكبر هو أنهم سيصلون إلى حالة التوازن.

أنا لم أذهب إلى داليان الصينية منذ ثلاث سنوات. وهي مدينة جميلة وتتمتع بأماكن فسيحة، وفيها ناطحات سحاب ومساحات خضراء وجامعات.

قال «جينبينغ أو» رئيس جامعة داليان إن تركيزه الجديد هو على بحوث الطاقة وان هناك 100 طالب يحضرون للدكتوراه عن موضوع مشاكل الطاقة، بينما لم يكن هناك إلا القليل في هذا المجال قبل سنوات قليلة.

وأنا استمع إليه أخذني عقلي إلى العراق حيث كنت قبل اسبوعين وحيث سمعت هذه القصة من ضابط أميركي في بغداد:

كانت وحدة الضابط في دورية حينما تعرض أفرادها إلى انفجار قنبلة مزروعة عند حافة طريق. ولحسن الحظ انفجرت القنبلة بشكل مبكر جدا ولم يصب أي شخص من الدورية. تمكن رجاله من القفز من خارج العربة المصفحة وتعقبوا سلك التفجير الممتد مسافة 1500 قدم في المنطقة. كانت هناك مروحية من نوع بلاك هوك في المنطقة فأنذرت الجنود الأميركيين بوجود شخص هارب على دراجة. وطلب الجنود المساعدة من الطائرة التي استخدمت شفراتها الدوارة الحادة في إسقاط المتمرد عن دراجته فتمكن الجنود من القبض عليه.

تلك الصورة لطائرة هليكوبتر تبلغ قيمتها 6 ملايين دولار وتمتلك أعلى أنواع التكنولوجيا مع طيار مدرب تدريبا عاليا تقوم بالنفخ على متمرد لتسقطه من دراجته تجسد الواقع الخالي من معنى لوضعنا في العراق. ولعل المؤرخ اللبناني الكبير كمال صليبي وضعها بصيغة أفضل حينما قال «على القوى العظمى ألا تتورط في السياسات الخاصة بالقبائل الصغيرة».

هذا هو وضعنا في العراق. نحن نهدر عقولنا. نحن نهدر شعبنا. نحن نهدر مستقبلنا. الصين لا تفعل ذلك.

* خدمة «نيويورك تايمز»