بريق الأمل

TT

مع مطلع كل يوم اعيش من جديد لحظات الجدل مع نفسي: هل اتابع نشرات الاخبار ام اكتفي بما اعرف؟ هل هناك داع لمعرفة كم عراقيا قضي وكم فلسطينيا تشرد وكم قنبلة قتلت من فجرها وحصدت ارواح رجال ونساء واطفال؟ كم جرافة هدمت بيوتا على رؤوس سكانها؟ كم تصريحا كاذبا تفوه به مسؤول لزوم الاستهلاك الاعلامي؟

لست من نوع الناس الذي يتأنق في الخيال. و لا اريد ان اعيش خارج الزمان. ولكني من نوع الناس الذي يعانق الفرح ويقتات علي الامل. لا بد ان يأتي زمن تتراجع فيه شريعة الغاب وينتشر العدل. اذا تحقق العدل عادت العواطف الرقيقة تسري في القلوب بين الابن وابيه وبين الرجل والمرأة. سوف يتوقف الركض في الحياة بحثا عن قرش اضافي وسوف تكتشف كل فتاة مواسم الربيع مع تمدد شعاع الشمس في الافق.

كل ليلة يدثرني النوم وانا مستغرقة في الابتهال المؤمن بأن يرتد كل شيء الى اصله. فالاصل في الاشياء هو الخير. ثم تشرق شمس يوم جديد فتعانق البحر والسماء ويبهرني بريق الحياة وتفيض النفس بالرجاء والذكرى.

ماذا يمكن ان يجري بين شروق ومغيب؟ هل اتابع نشرات الاخبار ؟ ولم لا؟ بإمكاني وإمكانك ان نقرأ الاحداث فنرسم خريطة الطريق بين كيف ولماذا. بإمكانك ان تدور مع عجلة الزمن وتجدف في بحر الافكار لعلك تعثر على مفتاح اللغز. المهم هو الا تستسلم للخوف فيبتلعك الموج.

العدو اللدود هو الخوف. لو عشت خائفا اصبح العمل خوفا والجوع خوفا والموت خوفا والليل ظلاما يفيض بالشجون والرؤى. الخوف يجعل الخائف يشتهي الموت ويشتهي الرحيل الى عمر آخر ووطن آخر. الخائف يتمنى ان تغشى ذاكرته عتمة. بلا ذاكرة نكون بلا ماض ونعيش في غربة المجهول. ان تكون بلا ماض هو ان تكون بلا أمل او مستقبل لأن الماضي هو الوسيط بين الحاضر والمستقبل. بلا ماض تصبح الحياة لا جحيما ولا نعيما، بل لحظة طويلة تفلت منك معانيها لأن النقط والفواصل فقدت اماكنها الطبيعية. لا تسمح للخوف ان يضع امتعته على اعتابك فتستسلم لوجوده حتى يطل على الدنيا من عينيك ويتحول الى رفيق.

لا تعش خائفا فتموت مهزوما. في انتمائك الى هذا الزمن حياة وفي كل فكرة تراودك حياة وفي الامل حياة. وما الامل الا لحظة توهج تعتريك فترى في الافق كل الوان الطيف. في تلك اللحظة يصبح المستحيل ممكنا فيتحول العجز الى موجات تنقلك الى شواطئ الممكن والمعقول. المهم هو ان تطرد الخوف بسلاح الاقوياء. ولا اقوى من العقل المفكر.

فالعقل هو هبة الخالق للإنسان. والانسان دون سائر المخلوقات هو صاحب الفكر وصاحب الإرادة وصاحب الاختيار.

هذا الصباح صافحت يومي وكأنني التقي بأعز صديق. فاليوم هو باكورة شهر الصوم الذي انزل فيه القرآن هدى للناس. وداخلني احساس بأننا نقف على عتبة زمن جديد يتغير فيه كل شيء بحيث يتحول سباتنا الى يقظة وتنجلي عتمة الذاكرة فنصل الماضي بالحاضر ونرتحل الى مستقبل تصنعه القناعة بأن في الاتحاد قوة وفي التفرق خوفا وعجزا. أمن المستحيل الا نحتمي بالغريب ولا نرشق القريب بالاتهام ولا نحكم بالباطل؟

لكي يعود السلام الى لبنان والعراق وافغانستان ولكي تنتصر الارادة الفلسطينية على مغالطات التاريخ لا بد ان نهزم الخوف ونطرد الارتياب في نوايا بعضنا بعضا.