أناس أكبر من العذاب!

TT

في الأمثال: كل ذي عاهة جبار.. جبار أي في غاية القسوة أو في غاية العظمة.. إنه ينتقم مما أصابه. أو يحاول أن يتفوق على الألم والنقص.. أو أنه دون خلق الله..

وليس أقسى من أن يشعر الإنسان بأنه لقيط أو ابن غير شرعي ويضايقه أن يعرف الناس..

فكثير من العباقرة أبناء غير شرعيين..

الأديب الإيطالي بوكاتشيو والفنان العظيم دافنشي والمستشار الألماني فيلي برانت والأديب الفرنسي ديماس الابن والرسام الفرنسي سيزان والرحالة والمغامر البريطاني لورانس والفنانة صوفيا لورين والسياسي الأرجنتيني خوان بيرون والزعيم الألماني هتلر والأديب السويدي سترندبرج والموسيقار الألماني العظيم فاجنر..

صحيح لم يعيرهم أحد بأنهم كذلك.. فلا جريمة لهم وإنما هم ضحايا الأبوين. ولكن إحساس كل منهم بأنه غلطة.. عورة.. وصمة.. لذلك يحاول أن يكمل هذا النقص.. فبدلا من أن يكون له أب وأم يخترع للناس جميعاً أبوة وأمومة.. فيكون هو العظيم الذي أكبر من كل الذين لهم أب وأم وأسرة وأول وآخر..

أذكر أن أديبا شكا للأستاذ العقاد أنهم يعيرونه بذلك.. فقال له العقاد: أنت أشجع من والديك.. وأشجع من كل هؤلاء الحاضرين.. فأنت الوحيد الذي على يقين من أنه لا يعرف له أباً ولا أماً ـ وهم أيضاً لا يستطيع أي واحد منهم أن يقول لنا من هو أبوه.. هاها..

وكان الموسيقار العظيم فاجنر حريصاً على أن يجد فتاة يحبها وتكون لها نفس الصفات: لقيطة. ووجد واحدة فاتنة. ولكنه رفض أن يتزوجها قائلا: إن إصلاح الغلط غلط آخر.. فلو كان لنا طفل سوف يعيره الناس بأن أبويه لقيطان حاولا أن يقدما طفلا ليس لقيطا. ولن يرحمه الناس..

والحقيقة غير ذلك؛ فلم يقل أحد للمستشار الألماني برانت: من هي أمك ومن أبوك.. ولا قال أحد للفنان دافنشي. ولكن الألم عميق في هذه النفوس العظيمة.. ولأنها عظيمة فالألم يتفجر فكراً وفناً!