رسائل من المحيط المتبلد!

TT

ملايين الرسائل الهاتفية يتبادلها الناس في الأعياد والمناسبات حاملة تهانيهم المثلجة إلى الآخرين، وللآخرين رسائلهم الجاهزة «المعلبة» التي يردون بها على تلك الرسائل الباردة، وتبقى شركات الاتصالات وحدها الأحق بالتهنئة، فإلى صناديقها يذهب خراج كل هذه الرسائل.. والحق أن هذه التقنيات الحديثة سوف تقضي على ما تبقى من التواصل بين الناس، وسيصبح كل شيء عن بعد حتى المشاعر!!

ومنذ بدء أيام هذا الشهر الكريم استقبل هاتفي مئات الرسائل التي كان علي أن أرد عليها واحدة تلو أخرى، وكنت أقوم بما يقوم به الناس، فاستخدام رسالة زيد للرد على عمرو والعكس، فليس لدى أي أحد منا مخزون من العبارات يكفي لمجاراة تلك الرسائل التي ترتدي أثواب الدعاء حينا، والدعابة أحيانا.

أذكر أن الناس في بدء خدمات الهاتف ثارت على اكتفاء الناس بالتهنئة عبر المكالمات الهاتفية، وحينما شاعت «موضة» بطاقة التهنئة الورقية تحسر الناس على زمن المكالمات الهاتفية، وحينما بلغنا زمن الرسائل الهاتفية أصبحنا نقول لأنفسنا: «إن زمن بطاقات التهنئة الورقية الملونة التي تكتب بخط اليد كان أكثر بلاغة في نقل المشاعر»، ومن يدري ماذا يحمل المستقبل من وسائل وتقنيات!!

والواقع أن هذه الرسائل التي نتسلمها في المناسبات المختلفة لا تتجاوز أن تكون مجرد إثبات حياة كتلك التي تطلبها مصلحة التقاعد والتأمينات الاجتماعية من المتقاعدين كل عام، وكأن مرسلها يريد أن يقول لك:

ـ «أنا موجود»!

وهو يحرص على تأكيد ذلك في المناسبات المختلفة، فإن لم تصلك رسالة منه فادعو له بالرحمة والمغفرة وأنت تضغط على زر delete لمحو اسمه وهاتفه، ممنيا النفس بأن يجمعك الله به في جنات النعيم.. فهذه الحياة اللاهثة المتسعة التي نعيشها اليوم لم تبق لنا وسيلة للتواصل سوى هذه الرسائل لإثبات الوجود مرة أو مرتين في العام، باستثناء إن التقينا في شارع العمر صدفة «لقاء الغرباء» لنعاتب بعضنا ثم يمضي كل إلى غايته، وتستمر عجلة الحياة..

وفي محاولة لتحديد المسؤولية عن برود العواطف رحت أسال نفسي: من المسؤول نحن أم الزمن؟.. والحقيقة أننا متهمون في عيون الزمن لأننا جميعا نعيش في المحيط المتبلد، والزمن متهم لأنه جعل لهاث ركضنا يطغى على كل شيء..

و«ياوبور قل لي رايح على فين؟!».

[email protected]