صحافة سوداء

TT

خيط رفيع بين مبدأ وحق الصحافة الحرة وبين الكلمة المسؤولة، وفي ظل غياب مؤسسات حقوقية مستقلة، وأجهزة قضائية وعدلية فعالة وسوية يكون الخلط بين المسألتين واردا وممكنا، وهذا الحديث يعود على الساحة وبقوة حين متابعة تداعيات الاحكام القضائية الصادرة بحق أربعة من رؤساء تحرير ما يسمى بالصحف المستقلة في مصر وذلك كتوابع للهزة الكبيرة التي أحدثتها الأخبار والشائعات التي انتشرت بسرعة هائلة والمتعلقة بصحة الرئيس المصري حسني مبارك.

والحقيقة أن المستوى المهني لمعظم بل للغالبية الكبرى من الاصدارات الصحفية المستقلة في مصر لا يسر ولا يطمئن، فهناك العديد من القصص والأخبار المنشورة التي تعاني «زهدا» في الحقيقة المهنية وتحمل بين طياتها مقاصد أخرى. ولقد تعرض كاتب هذه السطور شخصيا لفصل عجيب مع أحد الاصدارات المعروفة والتي يرأس تحريرها أحد الاشخاص الأربعة المحكوم عليهم، فقد قام بنشر «خبر» كبير على ثمانية أعمدة يفيد بأن زعيم «تنظيم القاعدة» قد تزوج ابنتي بعد احدى الصلوات، وابنتي للمعلومية كانت تبلغ من العمر وقت نشر هذا الخبر الكاذب تسع سنوات ! وطبعا تم الاتصال بالجريدة لطلب نشر التكذيب للخبر ، ولم يحدث ذلك أبدا.

وما هذه الحادثة إلا نموذج عن النهج المعوج في الصحافة الصفراء التي انتشرت وباتت تعتمد الاثارة والكذب الصريح مع عدم اغفال وجود محاولات مهمة في بعض الاصدارات الاستثنائية التي انتشرت بجدارة نتاج المهنية والدقة في عملها، ولكن هذا لا يمنع وجوب استمرار منح الحق الصريح في حرية الكلمة، والوضع الخاطئ والمريب للحال الاعلامي في العالم العربي عموما، والملكيات المحصورة والاستثنائية لأصحاب الامتيازات المطبوعة والمرئية والمسموعة سيسمح دوما بصدور أصوات وأقلام مأجورة لغايات غامضة، والإصلاح لهذا الوضع الغريب يجب أن يكون من باب الاصلاح النظامي والقضائي الذي يكفل حرية الاعلام والكلمة ويحترم الممارسة السوية لها عبر قوانين تقنن هذا الوضع وتحميه بدلا من مناخ يكرس السلطة والملكية الاستثنائية. العقوبات الصادرة بحق المخالف يجب أن تتجانس مع طبيعة المخالفة، الكذب واختلاق الاقاويل والقصص في وسائل الاعلام المختلفة هو جريمة تستحق العقوبة، نظرا للنتائج السلبية الكبيرة التي من الممكن أن تؤدي اليها ولكن العقوبة غير معقولة ولا مقبولة في ظل الوضع العام، فالقضية الأهم والحقيقة هناك هي مكانة الكلمة ودورها وحالة القضاء ووضعه لحماية ذلك كله وليس التركيز على «تفصيل» صغير في ظل الاخفاق الكبير.

[email protected]