أمريكي يتحرش جنسيا في القصيم !

TT

مواطن أمريكي أبيض يسكن في منطقة القصيم السعودية المحافظة جدا، وجه له الادعاء السعودي تهمة التحرش الجنسي بخادمته الفلبينية، يختار القضاء السعودي 12 مواطناً سعودياً (محلفين) من منطقة القصيم بطريقة عشوائية ليستمعوا إلى أقوال المدعي وأقوال المدعى عليه ثم يترك القاضي السعودي لهؤلاء الاثني عشر سعودياً تقرير مصير المواطن الأمريكي، فقرر المحلفون السعوديون بالإجماع أن المواطن الأمريكي مذنب، فأصدر القاضي قراره فورا بالسجن المؤبد، على أن يمنح الأمريكي بعد قضائه 28 سنة في السجن الفرصة للاعتراف بذنبه، وإلا أمضى بقية حياته في السجن بعيدا عن زوجته وأطفاله الخمسة، بالتأكيد فإن قرار المحلفين السعوديين الاثني عشر لم يقم إلا على الاستماع إلى دعاوى الخادمة الفلبينية فقط!! ولم تكن هناك أدلة ولا إثباتات مطلقة تدين هذا المواطن الأمريكي.

هذا سيناريو افتراضي نسجه الخيال يعد مشاهدتي للفيلم الوثائقي المثير الذي بثته قناة «العربية» أخيرا وتعب في إعداده الإعلامي النشط أحمد عبد الله عن أشهر سجين سعودي في السجون الأمريكية، الطالب حميدان التركي، والذي أصدر بحقه القضاء الأمريكي في ولاية كولورادو المحافظة حكمه بالسجن المؤبد بتهمة التحرش الجنسي بخادمته الاندونيسية، هل تتصوروا يا سادة أن الشعب الأمريكي الذي يعرف أن 15 سعودياً كانوا هم المعول الأساسي لتدمير البرجين الشاهقين في أمريكا سيرضى بحكمهم ضد مواطنهم الأمريكي؟ وهل من العقل والمنطق أن يهضم الشعب الأمريكي هذا الحكم من الإثني عشر محلفاً سعودياً وهم من منطقة سعودية «محافظة»، والأمريكيون يدركون أن قلوب أغلب الناس في السعودية والمنطقة كلها تكاد تميز من الغيظ والغضب من السياسة والأفعال الأمريكية في فلسطين والعراق؟

قلت في مناسبة مماثلة، انني لست قانونيا ولا مختصا في إجراءات المحاكم الغربية ولا العربية، لكن من حقنا أن نحاكم المحاكم الأمريكية في اعتمادها على نظام المحلفين في استصدار قراراتها، خاصة إذا كان الطرف المتهم عربياً أو مسلماً وسعودياً وبخصوصية أكثر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

نعترض على إجراءات المحاكم الأمريكية لأن المحلفين ـ وهم أناس عاديون من عامة الشعب يجري اختيارهم عشوائيا ـ يجب أن ينعتقوا عن المؤثرات الخارجية، الإعلامية مثلا، حتى يصبح قرارهم عادلا ومنصفا، وهذا الذي جرى فعلا إبان محاكمة لاعب البيسبول الشهير (أو جي سمبسون) والتي استغرقت عاما كاملا، فقد رتبت السلطات القضائية الأمريكية للمحلفين الاثني عشر سكنا في أحد الفنادق وجرى عزلهم بالكامل ولمدة طويلة عن المؤثرات الخارجية كالتلفزيون والصحافة بل كل وسائل الإعلام ووسائل الاتصال المختلفة.

ولأن الشعب الأمريكي لا يزال واقعا تحت التأثير الشديد لصدمة تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، وهي من تدبير مسلمين أولا وعرب ثانيا، وأغلبهم سعوديون ثالثا، ولكون العرب على وجه الخصوص الضحية رقم واحد لحملات الإعلام الأمريكية تدعمها بإخلاص لافت «هوليوود» وصناعتها السينمائية المنحازة، والتي تصور العرب بكل ما في قاموس البشرية من خزي وتخلف وهمجية.. بعد هذا وذاك من حقنا أن نتساءل ونشكك في مصداقية حكم هؤلاء المحلفين، هذا الخلل هو بالضبط الذي أفرز حكما جائراً بالسجن المؤبد والتهمة لا تتعدى تحرشا جنسيا من الدرجة الرابعة!

أتساءل بحرقة وأسائل أنظمة القضاء الأمريكية: ماذا بقي لجرائم القتل والسطو والإرهاب والاغتصاب إذا كان السجن المؤبد للمسة عابرة لجسد امرأة، ثم إنها لا تزال تهمة بل دعوى لم يقم عليها دليل ولا إثبات بل مجرد أقوال للخادمة وحكم به 12 محلفا من عامة الشعب.

قبل أكثر من تسعة اشهر، سألت مدعي عام ولاية كولورادو، جون سذرز، حين زار السعودية: هل الحكم بالمؤبد الذي أنفذتموه على حميدان سبق أن طبقتموه على اي مواطن أمريكي متهم بالتحرش الجنسي من الدرجة الرابعة؟ قال: نعم وأخذ بطاقتي الشخصية ووعدني بتزويدي بحالات حقيقية، ولم يصل رده إلى وقت كتابة هذه المقالة!! ألم تستنتج عزيزي القارئ بعد هذا كله أن وراء الأكمة الأمريكية في قضية حميدان ما وراءها.

[email protected]